بري يحدد وزن جعجع

ليس صدفة أن تبدو المعركة السياسيّة الآن بين الرئيس نبيه بري ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. فالآخرون، من أهل الحكم والسلطة السياسيّة، نالوا حصصهم الأوليّة وحلّوا في مواقعهم التي اتُفق عليها. وأما المزاحمات لتحصيل كلٍّ منهم حصصاً أكثر فمفتوحة ولا تنتهي بالمقاعد الوزاريّة في حكومة العهد الأولى برئاسة سعد الحريري.

ما بين بري وجعجع ليس من رواسب الماضي الحربي. فالرجلان قد تجاوزا ذلك فيما هما يكرّسان زعامتيهما وتوابعهما في السياسة والإقتصاد وما إلى ذلك. ما بينهما من منافسة وكباش يتعلّق بالنظام واتجاهاته، أي ما هو أبعد من تشكيل الحكومة والحقائب الوزارية وعدد النواب، وإن كان في ذلك بعض ترجمة لحصة كل منهما ودوره وحجمه. ففيما وجد ميشال عون موقعاً له في النظام المجدد باتفاق أميركي- روسي وإيراني، مع ملحق سعودي؛ وفيما اطمأن الحريري لاستمرار نظام الطائف ولو شكليّاً ومؤقتاً، من خلال عودته شخصيّاً إلى الرئاسة الثالثة وانضواء عون في اتفاق الطائف الذي عارضه طويلاً، ومن خلال اعتباره (الحريري) أنه وضع حداً لمشروع حزب الله الذي كان ينتظر المجريات الميدانية والسياسية في المنطقة ليفرض تغييراً لمصلحته في النظام (بمعزل عن صحة المعلومات ودقة التحليل الحريري)… في ظل هذا، يقف كلٌّ من بري وجعجع أمام السؤال عن موقعه في النظام.

فبري المشغول منذ فترة بترتيب شؤون بيته ووراثته السياسية وباستمرار النظام في انتظار هدوء العاصفة الدولية والإقليمية، ميالاً إلى تجدد الدور السوري السعودي برعاية أميركية، ولا بأس بنفوذ إيراني محدود ومقيّد، توجّس من وقوع التسوية الرئاسية اللبنانية في الأروقة الأميركية الإيرانية أولاً، ثم ضم السعودية إليها، بينما كان يسعى على مدى سنتين ونصف على الأقل إلى أن تخرج محليّة من مقره في عين التينة الذي حوّله طاولة للحوار تتلقف التسوية الدولية الإقليمية، وربما تستبقها إذا ما أحسن الأفرقاء المحليّون قراءة الإشارات الخارجية.

اقرأ أيضاً : هكذا قصد نصر الله أنّ الرئيس برّي بات من «شيعة السفارة»

وإذ استكثر على عون والحريري أن يعرفا بالتسوية قبله، وأن يضمنا موقعيهما فيها، سأل كيف لحزب الله اللاعب الرئيس في التسوية والمرتاح لنتائجها ألا يطلعه ويحفظ موقعه ومكانته فيها وفي النظام. فبري، الذي يريد أن يضمن استمراره في النظام، لا يرى إلى نفسه كرئيس مؤسسة تُدعى بعد التسوية لتنفيذها انتخابيّاً. مثلماً لا يرى أن الوزارات وعددها وفئاتها تحدد مكانته وموقعه في التركيبة والنظام.

لهذا، أي بسبب حلول التسوية عليه ورؤيته لنفسه في لحظة مصيرية للنظام وبيته، شعر بأنّه مهدد أو مهمّش. وإذ لم يشفِ غليله “فش خلقه” بشخصين في حجم جبران باسيل ونادر الحريري، استخدم سلاحاً مذهبيّاً وجد أن لا بد منه للفت الانتباه إليه وللتذكير بالحاجة إليه. فنسب الاتفاق بين عون والحريري إلى صيغة ما قبل الطائف، أي صيغة الاستقلال المارونية السنية التي تستبعد الشيعة، وفقه. ورغم أن الأمر ليس كذلك، إذ إن اتفاق عون والحريري هو ظاهر التسوية الدولية الإقليمية بين أميركا وروسيا وإيران، إلا أن بري أحرج عون والحريري وأعاد الاعتبار لنفسه إزاءهما كرئيس أصيل. إذ إن الحزب سيلتزم، في الشكل، حدوداً وهو يؤدي دوره المحوري القيادي. ما يعني أنه بحاجة إلى شركاء ووكلاء في النظام. وإذا كان عون في بعبدا يطمئنه ومن ضمن تحالفه، فإن بري توأمه المذهبي في النظام والدولة والمؤسسات.

اقرأ أيضاً : جعجع: ليفسر لنا البعض لماذا يحارب جزءا من الارهاب ويدعم الجزء الآخر

في المقابل، يبدو جعجع ساعياً إلى نيل ثمن دخوله المبكر التسوية من خلال ترشيحه عون للرئاسة. وفيما يريد هو أن يكون هذا الثمن دخولاً في نادي الكبار والمرشحين للرئاسة وفك الحصار عنه وعن قواته في دخول الدولة ومؤسساتها، يرى بري أن ذلك يتجاوز مسألة الحصصَ وشكلانيّتها إلى النظام ومساهمة جعجع وقواته فيه، وبما يعنيه ذلك من متغيرات إقليمية وترجمتها في السياسة المحلية. لكأن بري لا يدافع عن موقعه ومواقع حلفائه، ومنهم سليمان فرنجية ووليد جنبلاط على سبيل المثال، فحسب، إنما يقوم بمهمة محاصرة جعجع لمصلحة حزب الله، أو بدلاً منه، في سياق تحديد أوزان القوى المحلية ضمن ترجمة التسوية الدولية والإقليمية وأحجام أطرافها.

السابق
I’m Arab and Many of Us Are Glad That Trump Won
التالي
محمود عباس يؤكد: أعرف قاتل ياسر عرفات