الحريري يغامر بمستقبله السياسي؟

يغامر الرئيس سعد الحريري حين يتبنى ترشيح العماد ميشال عون في لحظة رفض لهذا الترشيح في قاعدته وعلى مستوى السنة عموماً، ويغامر أكثر حين يعقد صفقة في لحظة اختلال ميزان القوة، ويغامر أكثر حين يراقب كيف ستتشظى البيئة السنية إلى زعامات مناطقية وعاجزة عن المواجهة سياسية مع حزب الله.

سلّة الرئيس نبيه برّي هي ليست سلة شروط دستورية بقدر ما هي سلّة محاصصة، الرئيس نبيه بري لا يمكن أن يقوم بانتخاب رئيس من دون ضمانات تتصل بجملة شروط تتعلق بقواعد تقاسم السلطة والنفوذ داخل الدولة، من عدد الوزارات ونوعيتها، الى المؤسسات العامة وقطاعات أخرى تندرج ضمن مزاريب المنافع في عرف المحاصصة. بتقدير أكثر من متابع سياسي أنّ موقف الرئيس بري ليس رفض انتخاب عون بالمطلق، ولكن ثمّة شروط على العماد ميشال عون أن يلبيها للرئيس بري حتى يضمن أصوات كتلته في الإنتخابات الرئاسية.
ما يجعل الرئيس نبيه بري يذهب نحو مزيد من إطلاق الإشارات المعترضة على عون، رفع سقف المطالب ليس اكثر وبالتالي إرغام العماد عون على تقديم ما يتطلبه رضى بري، علماً أنّ ثمّة ما يعترض أيضا ًالوصول إلى هذه الصفقة، هو مدى نضوج خيار الخروج من الفراغ الرئاسي، وهو قرار يمتلك حزب الله القدرة على تحقيقه فيما لو لاقى مبادرة سعد الحريري في منتصف الطريق، لكن ثمّة ما يحول على ما يبدو دون قطع هذه الخطوة من قبل حزب الله. وهذا ما يفتح المال امام بري وفرنجية الى التحرك سعيا لتحقيق اكبر قدر من الحصص التي يتم الصراع عليها اصلا باسم الرئاسة الاولى.
بحسب مصادر سياسية متابعة لملف الاستحقاق الرئاسي، فإنّ الحريري يُغامر بمستقبله السياسي وبتيار المستقبل إذا كان ذهب نحو خيار تأييد العماد ميشال عون من دون ضمانات جدية من الطرف المقابل أي العماد عون وحزب الله، وإذا كان قام بهذه الخطوة من دون هذه الضمانات المتصلة بالدور الذي سيقوم به في السلطة، أي أن يكون رئيساً للحكومة، وأن يُتاح له العمل من أجل إعادة الإعتبار لمشروع الدولة، وبالتالي أن يكون لديه يد طولى في إعادة ترتيب الوضع المالي والاقتصادي، فسيكون عرضة لنهاية مأساوية لتياره ولوجوده السياسي، لا سيما أنّه يدرك أنّه يتخذ خطوة لم يزل مجرد طرحها كاحتمال، يثير حالة غضب ليس على مستوى الطائفة السنية فحسب بل داخل تياره الذي لم يستطع استيعاب هذه الخطوة – الاحتمال.

سعد الحريري
عدم استعجال حزب الله تلقف خطوة الحريري بل ذهاب امين عام حزب الله الى اعتبارها لن تغير شيئا من واقع الفراغ الرئاسي، ينطوي على احتمالين عدم اقتناع حزب الله بضرورة مِلء الفراغ الرئاسي، وترك الرئاسة إلى مرحلة يرى أنّه يستطيع أن يفرض على خصومه مزيداً من التنازلات والمزيد من إقرار الجميع بتثبيت وضعيته الأمنية والعسكرية، وأن لا تبقى قضية سلاحه محل جدل أي طرف محلي أو خارجي، وإما أنّ حزب الله لم يقتنع بما تمّ انجازه من تفاهم بين الحريري وعون من تفاهم لإنتخاب الجنرال.

إقرأ أيضاً: عون رئيساً.. كرة النار من الحريري إلى بري

لا شكّ أنّ الانسحاب السعودي من لبنان أثّر سلباً على موقع تيار المستقبل وسعد الحريري في المعادلة السياسية، وهذا الانسحاب لبّى مطلباً ومسعى حثيثا من قبل حزب الله والمحور الإيراني لإخراج السعودية سياسياً من لبنان، وإذا كانت هذه النتيجة تصب في سياق الإنتصار الإيراني اقليمياً وانتصار حزب الله محلياً، فالخطوة التالية المنطقية في هذا السياق هي إنهاء القوة التي شكّلت مركز استقطاب السنّة أي الحريرية السياسية، واكتسبت شرعية التمثيل والحضور، ونجحت في الصمود بوجه حزب الله، اذ يدرك حزب الله أنّه عجز عن إنهاء تيار المستقبل كممثل فعلي للسنّة في كل المحطات السابقة، ولم يستطع رغم كل محاولات الاختراق للطائفة السنيّة من إضعاف الشرعية التمثيلية لهذا التيار حتى اليوم.

إقرأ أيضاً: زمن الوصاية الشيعية على لبنان

من هذا المنطلق تعتبر أوساط سياسية على صلة بتيار المستقبل وهي معارضة لخطوة تبني ترشيح الجنرال عون، أنّ الخطوة التالية التي يسعى حزب الله إلى تحقيقها هي إنهاء القوة الوحيدة الجامعة للسنّة في لبنان والقادرة على مواجهته سياسياً، فالبيئة السنية مع إضعاف “المستقبل” قابلة للتشظي، ومع ملامح نشوء قوى متعددة بين بيروت والشمال والجنوب والبقاع، فهذا سيوفر لحزب الله اللحظة الاستثنائية لاختراق الطائفة السنيّة وإدارة الصراع داخلها بعد اكثر من عقد من محاولاته خلق بدائل سنيّة من دون ان ينجح، إنهاء تيار المستقبل أو اضعافه يتطلب بالتوازي مع إدارة الظهر السعودية له، انتخاب العماد ميشال عون من دون ضمانات جدّية للحريري تحمي موقعه في المعادلة المقبلة، وهذا غير متوفر لا سيما في مرحلة اللامبالاة الدولية والإقليمية بتقديم ضمانات أو بذل الجهود من أجل انتخاب رئيس للبنان، فضلا عن التجارب السابقة غير المشجعة للحريري في عدم احترام العهود بينه وبين امين عام حزب الله.

السابق
الحريري لنصر الله: أصوات أطفال حلب ستظل تقض مضاجع القتلة
التالي
الشيخ صبحي الطفيلي: هدمنا المساجد خدمنا اليهود ثأراً من الطفل عمران