تحوّلُ السنّة والحريري إلى الشيعيّة السياسيّة صعبٌ

المسلمون اللبنانيّون رفضوا يوم كانوا بقيادة السنّة قبل حروب الـ 1975 – 1990 ما سمّوه المارونيّة السياسيّة. ورفضوا التعامل مع زعمائهم وسياسيّيهم الذين كانوا جزءاً منها. واجتماع دوحة عرمون في حرب السنتين الذي “حرَّم” على القيادات الإسلاميّة التعاون مع رئيس الدولة المسيحي المُنخرط في الصراع أكبر دليل. وقد أدّى ذلك عام 1958 وبعد “الثورة” على الرئيس كميل شمعون إلى تغييب (الراحل) الرئيس سامي الصلح عن الحياة السياسيّة عقاباً له على تعاونه معه. كما أدّى إلى قطع طريق العمل السياسي على شباب مسلمين غالبيّتهم سنّة كان أوصلهم شمعون إلى مجلس النواب أو الحكومة اعتقاداً منه أنّه بواسطتهم يستطيع مواجهة “جبابرة” المسلمين.
طبعاً انتهت المارونيّة السياسيّة بهزيمة للمسيحيّين في الحروب، حاولت الدول العربيّة المعنيّة ومعها أميركا أن تلطّفها بتشجيع صيغة جديدة للحكم في لبنان تُزيل الغُبن الذي شكا منه المسلمون عقوداً. لكنّها لم تُزِل خوف المسيحيّين لأسباب كثيرة يُسألون عنها، كما تسأل عنها سوريا الراحل حافظ الأسد الذي كُلّف رعاية تطبيقها.
وبما أن الفراغ غير موجود في العالم في المُطلق فإن فشل اللبنانيّين، بسبب عجزهم وقُصر نظرهم وعدم تبصّرهم وأولويّة مصالحهم، كما بسبب امتلاك سوريا مشروعاً للبنان لا يُناسب “شعوبه” كلّها كما ثَبُت لاحقاً، أفسح في المجال بعد استيقاظ المذهبيّة الإسلاميّة وتحوّلها صراعاً سياسيّاً وأحياناً عنفيّاً أمام نشوء شيعيّة سياسيّة مدعومة من دمشق ثم سنّية سياسيّة أطلقها الرئيس الشهيد رفيق الحريري المدعوم سعوديّاً. وتعايشت الإثنتان بالإكراه السوري حيناً وبالتفاهم المفروض سوريّاً حيناً، وتقاسمتا على مضض الأدوار والمكاسب. فالأمن ومقاومة إسرائيل والسياسة بمعناها الوطني والعربي كانت من نصيب الشيعيّة السياسيّة العاملة بالوكالة عن سوريا، وكان في صفوفها سياسيّون سنّة من “أوزان” عدّة. والإقتصاد وإعادة البناء والإعمار كانت من نصيب السنّية السياسيّة وأيضاً بالوكالة عن سوريا نفسها.

اقرأ أيضاً : اجراءات مفاجئة ضد «أوجيه»: هل استغنت السعودية عن الحريري؟!‏
أنهت الشيعيّة السياسيّة الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 2000، وهزمت إسرائيل عام 2006، ونفّذت السنّية السياسيّة مشروعات طموحة في مجالي إعادة البناء والإعمار. أمّا في السياسة الداخليّة والإقليميّة والدوليّة فإن كلّاً من الإثنتين كان في خدمة سوريا ثم إيران الإسلاميّة من جهة والمملكة العربيّة السعوديّة والغرب من جهة أخرى. لكن السنّية منها أخرجت سوريا عسكريّاً من لبنان عام 2005 رغم قتل الحريري وبسببه. وكان ذلك إنجازاً في رأي قادتها وقيادات مسيحيّة كانت بدأت التعاون مع السنّة. لكنّه كان ناقصاً لأن سوريا بقيت في لبنان مخابراتيّاً، وسياسياً عبر “حزب الله” وحركة “أمل” الشيعيّة. كما أن إنجاز الشيعيّة السياسيّة كان ناقصاً لأنّه اقتصر على الشيعة ثم انضم إليهم العماد ميشال عون الزعيم المسيحي الشعبي.
أمّا الآن فإن متابعة الوضع الداخلي كما الإقليمي تشير في وضوح، وبعدما صار الطابع الأول للصراع الدموي في المنطقة والسياسي في لبنان مذهبيّاً، إلى أن التحاق السنّة بالشيعيّة السياسيّة يبدو مستحيلاً في ظل غياب الانتصارات العسكريّة الحاسمة أو التسويات السياسيّة القابلة للتنفيذ. وهو قد يصبح محتملاً في حال انتصار حلفائها أي “حزب الله” وسوريا الأسد وإيران الإسلاميّة عسكرياً وسياسيّاً. وفي انتظار ذلك أو عكسه سيستمر الصراع السنّي – الشيعي السياسي المفتوح على التحوّل عسكريّاً في ظروف معيّنة.

ولا يرتبط ذلك بنجاح الرئيس سعد الحريري أو بفشله في ترتيب أوضاعه الماليّة والسياسيّة في السعوديّة ثم في بلاده. علماً أن نجاحه “يُنعش” السنّة وربّما يمكّنه بعد استعادة دعمهم الواسع له من التفاوض مع الشيعيّة السياسيّة على تسوية ما تُنهي الشغور الرئاسي وتُعيده رئيساً لحكومة تُجري انتخابات نيابيّة. وذلك غير أكيد. أمّا فشله فلن يدفعه إلى التحوّل بالكامل إلى الشيعيّة السياسيّة التي يدفعه إليها البعض في تيّاره والمنشقّون عنه في آن واحد خدمة لمصالحهم المتناقضة، رغم اقتناع كثيرين بأنّه قد “يرتكب هذا الإثم”. تشجّعه على ذلك سابقة إقبال الرئيس نجيب ميقاتي على رئاسة حكومة موالية للشيعيّة السياسيّة بعد نجاح الأخيرة في “إقالة” حكومته (أي الحريري) قبل سنوات. علماً أنه حاول كثيراً ونجح أحياناً في حماية بعض مصالح السنّة. لكنّه لم يخرج عن الإطار العام الذي وضعته الشيعيّة السياسيّة لحكومته.
هل يتخلّى الحريري عن “لبنان أولاً”؟ وماذا عن الزعماء والسياسيّين المسيحيّين ودورهم في الأوضاع الراهنة ومسؤوليّتهم عن تطوّراتها؟

( النهار )

السابق
عندما ترمي إيران علينا «ثالثة الأثافي»
التالي
النفايات تتراكم في الشوارع والطريق مسدودة لحلّ الأزمة