داريا: الانجاز والانكسار

لا تقدر خسارة داريا بثمن، فما هو اهم من واقعها الجغرافي، والحفاظ على تواجد الثورة على الجانب الجنوبي الغربي من العاصمة السورية، وتهديد خط الطرق الحيوي بين العاصمة ولبنان عبر الوصول الى خط بيروت دمشق، وقطع طريق المزة، اهم من كل ذلك هو:

١- مواصلة النظام السوري لعملية الفرز الديموغرافي، وهي عملية بات النظام يقوم بها في كل المناطق التي ثارت عليه في محيط العاصمة، وصولا الى الحدود مع لبنان وامتدادا الى حمص والساحل.

٢- وصول احد افضل نماذج الثورة السورية الى الحائط المسدود بعد اربعة اعوام من بدء الانتفاضة في داريا، وثلاثة اعوام ونصف من العمل المسلح ضد النظام، وحوالي العام من الحصار المطبق بعد قطع الطريق ما بين داريا والمعضمية.

الا ان خسارة داريا، وتهجير الباقي من سكانها ليست هزيمة بالمطلق للثورة، وان كان شعور الخسارة هو الطاغي في صفوف المناصرين للثورة السورية، الا انها احدى اجراس الانذار، التي قد تكون الاخيرة، التي تقرع للقيام بتغييرات هيكلية في جسم الجيش الحر، وفي علاقة الجيش الحر بالخارج والداخل، بعلاقاته الداخلية، بين فصائله المختلفة، وبينه وبين الدول الداعمة، والتي اصبحت تملك فواتير ضخمية تجبره على دفعها فورا، وبين الجيش الحر وبين الهيئات السياسية، وربما اليوم اهمها الهيئة العليا للمفاوضات. اضافة طبعا الى العلاقة القائمة بين الحر وبين المجالس المحلية، وبينه وبين الهيئات القضائية في المناطق.

إقرأ أيضاً: هذا تاريخ مدينة داريا وهكذا ثارت على الأسد

ويمكن استخلاص مجموعة من النقاط من تجربة داريا:

– لقد رفضت داريا منذ اليوم الاول للقتال وجود مقاتلين اجانب، كما رفضت صراحة تنظيم القاعدة، والتعاون معه، او السماح له بالعمل من مناطق وجود قوى الجيش الحر، وبغض النظر عن الطابع الاسلامي للفصيلين المقاتلين في داريا، الا ان الفصيلين حافظا على رفع علم الثورة السورية، والقتال تحت الراية السورية دون غيرها، واحد الفصيلين ينتمي الى الجبهة الجنوبية.

  • شكلت داريا ايضا تجربة متميزة، حيث انتخب المجلس المحلي فيها القيادة العسكرية، وليس العكس، وفي حين ان كل المناطق السورية الثائرة تخضع المجالس المحلية للقوى العسكرية، وتتصرف القوات العسكرية، سواء اكانت تابعة للجيش الحر او لجيوش وجبهات وغرف عمليات اسلامية بصفتها ميليشيات امر واقع وامارات حربية تختزل كل شيء في مصالح قياداتها وحروبها، فان داريا تمكنت من افراز تجربة ثورية حيث تتبع القوى المقاتلة للمجلس المحلي، على رغم ارتباط القوى المقاتلة بهيئات خارجية داعمة او سياسية.
  • لم تحصل داريا على ما حصلت عليه المناطق الاخرى من الدعم، لم تحصل على اليات مدرعة ودبابات، ولا على مدفعية ثقيلة، وربما اصبح بالامكان التحدث عن احد اسرارها العسكرية، خاصة ان قوات النظام التي ستدخل اليها ستكتشف ان من كان يواجههم يفتقر الى الاسلحة المتوسطة ايضا، والى المتفجرات، والى المدفعية المباشرة، ان النقص الحاد في المواد المتفجرة (والذي وصل الى مرحلة الصفر في الاسابيع الاخيرة) هو ما سرع في الموافقة على الاخلاء، حيث قال احد القادة العسكريين من داخل داريا قبل ايام “لقد كسر النظام الطوق الدفاعي الخامس، وليس لدينا اية عبوة لنضرب دباباته، اذا ما اكتشف ذلك سيدخل ويدهسنا بالدبابات دون ان نتمكن من الدفاع عن انفسنا”. وعلى الرغم من التسليح الضعيف الا ان المدينة قاتلت لاعوام بالخطط الحربية واعتماد العقل بدل السلاح والذخيرة.
  • لم تكن العمليات في داريا دفاعية فقط، اذ منذ اقل من شهرين نفذت القوات فيها عملية هجومية محدودة، حيث اجتاحت المسافة الفاصلة بينها وبين المعضمية، والتي تسيطر عليها قوات الفرقة الرابعة من النظام، وتمكنت من الوصول الى المعضمية، ونقل عدد كبير من المسنين، وذوي الامراض الخطرة، وادخال بضعة اطنان من المساعدات الغذائية الى داخل داريا، وهذا الخط الواصل بين المنطقتين تم استخدامه سيرا على الاقدام، نظرا لخطورته، وايضا لاختفاء المحروقات من داريا، فكان المقاتلون ينقلون المصابين والعجزة والمرضى على ظهورهم. وكلفت العملية ارواح ١٣ من مقاتلي داريا.
  • زرعت داريا كل شيء، بما في ذلك الاعشاب، اذ استنبتت الاعشاب والمزورعات في عدة تجارب محلية لمنع الجوع من قتل السكان، بعد ان انحصرت المساعدات الدولية بشحنة واحدة مخصصة لالف قاطن، دخلت مرة واحدة الى المدينة ولم تتكرر. وعلى رغم احراق وقصف المناطق الزراعية، الا ان المدينة حاولت مقاومة الجوع بالزراعة، وكذلك استخرجت النفط من البلاستيك، ولكن بكميات تكفي لتشغيل المولدات الكهربائية لاعادة شحن الهواتف والاجهزة العسكرية وتأمين طاقة للمستشفى الميداني الوحيد. تولى المجلس المحلي ادارة الموارد، وكما العديد من المناطق السورية تمكن من الصمود على رغم استحالة الحياة.
  • ان قصف روسيا بالنابالم المحرم دوليا للعديد من المرافق الحيوية هو ما جعل استمرار تقديم خدمات اولية مستحيلا، مثل المشفى الميداني الذي قصف منذ حوالي الشهر، هذا الواقع ضغط ايضا على القوى العسكرية (اضافة الى فقدان المواد المتفجرة نهائيا).

لا يغلق سقط داريا الباب امام انتصارات ممكنة للجيش الحر، وان كان التركيز على الجيش الحر دون القوى الاسلامية، فلان تلك شريك جاهز وصامت ووفق الفتوى الجاهزة للتعاون مع الدول العربية والاجنبية، وهو طبعا ينتظر الفرصة للحصول على ما يمكن الحصول عليه من حصة في النظام القائم، ان اعادة تدوير تنظيم القاعدة في سوريا، مع احرار الشام وجيش الاسلام يعني ايجاد ممر سياسي واسع اما لتصفية ما بقي من ثورة الحرية وتغيير النظام، والدخول في تسوية دولية مع النظام القائم، واما تقسيم سوريا الى ادلب، التي يصر كل مرة النظام على نفي المقاتلين اليها دون غيرها، وباقي المناطق.

إقرأ أيضاً: داريا من الداخل: تركت وحيدة والنظام هدد بالنابالم بغطاء دولي

وحده الجيش الحر يمكن ان يكون قاعدة عسكرية مقاتلة لمشروع سياسي يقضي بتغيير النظام السوري، طالما بقي الجيش الحر يكتب على اوراقه الرسمية: الجمهورية العربية السورية – الجيش السوري الحر، فانه سيكون الشبح المرعب للبديل السياسي عن النظام القائم. وداريا كانت خير مثال عن بديل ثوري، تقوده هيئات مدنية، وتخدمه وتحميه قوى عسكرية شعبية.

 (حدثنا غورو)
السابق
مصرع 15 مدنيا جراء سقوط برميلين متفجرين على حلب
التالي
مدينة داريا أصبحت فارغة بعد خروج جميع المسلحين والأهالي منها