قراءة في خارطة الطريق التركية للحل في سورية

تركيا

أعلن رئيس الوزراء التركي بنيالى يلدريم الثلاثاء الماضى عن شروط وثوابت تركيا أو ما يمكن اعتباره خارطة طريق للحل في سورية، والتي تضمنت ثلاث نقاط أساسية: الحفاظ على وحدة التراب التركي، الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، عدم تقسيمها أو السماح بإقامة كيان كردي شمال البلاد. ووجوب عدم فرض حكم لإدارة الدولة على أساس طائفي، وإنما إشراك كافة مكونات الشعب السوري ودون إقصاء لأحد.

اقرأ أيضاً: المستقبل في أنقرة: سوريا أولوية الحوار التركي الإيراني

الشروط الثلاث السابقة طبعاً هي غير جديدة، وكانت حاضرة دوماً في الخطاب التركي، ولكنها باتت أكثر تردداً على لسان كبار المسؤولين الأتراك في الفترة الأخيرة.
من حيث الشكل نحن أمام تأكيد تركي على امتلاك أسس أو تصورات للحل السياسي في سورية، وإنها ليست منعزلة او عدمية، وهي مستعدة للمشاركة الإيجابية والفعالة في أي جهود تسعى لحل القضية، حل عادل مستدام وقابل للحياة.
من حيث الشكل أيضاً، وحتى المضمون أيضاً، نحن أمام توجيه رسالة للمجتمع التركي المتحد بكافة أطيافه في مواجهة الانقلاب الفاشل، بأنّ الحكومة منفتحة على الحل في سورية، ولا تقف عقبة دونه، وأن أساس الحلّ يكمن في تحقيق المصالح القومية التركية المتفق عليها، كما يتضح من مضمون النقاط أو التصورات الثلاث للحلّ التيطرحها يلدريم.

لا مفاجآة طبعاً في اعتبار وحدة التراب التركي الأساس أو المنطلق للحل، وهنا ثمة دعوة صريحة للداخل للتوحد والاصطفاف خلف الحكومة ومواقفها، كما رفض لأي حلّ في سورية قد ينعكس سلباً على وحدة التراب التركي أو الأمن على حدودها.
أما سوريا فإنّ أساس الحل من وجهة نظر تركيا، يتمثل بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ورفض تقسيمها لكيانات جغرافية أو عرقية، ورفض قيام كيان كردي في شمال البلد على الحدود مع تركيا لا يشكل فقط خطراً أمنياً عليها، وإنما يمثل حاجز او جدار سياسي أمني يفصل ويمنع تواصلها مع العالم العربي.

سوريا

تركيا لا تتصرف بذهنية الأقلية كما هو الحال مع روسيا، وإيران، وهي ترفض أي حلول تقسيمية معلنة أو غير معلنة لمشاكل المنطقة، سواء في سورية أو في العراق، وتعتبر أن الحفاظ على وحدة الأراضي هو أمر مهم حتى لو تم التعاطي بعد ذلك بذهنية الحدود المفتوحة أمام حركة المواطنين والبضائع، كما كان الحال مع سورية قبل الثورة والخيار الدموي للنظام في مواجهتها أو فكرة تجمع المئة مليون مواطن التي طرحها الرئيس أردوغان قبل سنوات مع سورية، الأردن لبنان مع انفتاح على ضم العراق إليها، وحتى إيران نفسها.
تركيا ترفض إقامة كيان كردي شمال سورية، لأنه سيؤدّي حكماًإلى تقسيم سورية، وفقدان الأمن والاستقرار فيها، وبالتالي تزايد الدعوات الانفصالية لأكرادها وأكراد العراق وإيران، وقد يؤدّي إلى تفتيت المنطقة كلها، بمعنى مطالبات بانقسام داخل تركيا نفسها كما كان الحال بعد الحرب العالمية الأولى، وحرب الاستقلال منذ مائة عام تقريباً.

ضمن التصور أو الخارطة المتكاملة للحل جرى التأكيد على رفض أي حكم أو إدارة على أساس طائفي مع إشراك كافة مكونات الشعب السوري دون إقصاء أحد. وهنا مربط الفرس ما يعني حكماً إقصاء بشار الأسد ونظامه الطائفيمن جهة. والتناغم مع روح إعلان جنيف من جهة أخرى، الذي نص حرفياً على إقامة هيئة حكم انتقالية غير طائفية وكاملة الصلاحيات لإدارة البلد خلال المرحلة الانتقالية.

رئيس الوزراء التركى أشار كذلك الى ضرورة عودة اللاجئين ضمن أي حل سياسى محتمل للقضية السورية. وهنا نحن أيضاً أمام توجيه رسالة للداخل الشارع التركي مع التأكيد ضمنياً أنهم لن يعودوا إلا ضمن سلة متكاملة للحل تتضمن وقف جرائم الابادة فى سورية، وتكفل تشكيل إدارة للحكم غير طائفية ولا تستثني أحداً من مكونات الشعب السوري.

رغم أن النقاط الثلاث تعني بالضرورة أن لا دور لبشار الأسد في الحلّ الانتقالي أو إدارة سورية الجديدة، ومع تأكيد على ما قاله المستشار الرئاسي – إبراهيم كالن – أحد المسؤولين عن الملف السوري والمصالحة مع موسكو عن عدم تغير الموقف من بشار الأسد، وضرورة رحيله إلا أن تركيا منذ انطلاق عملية فيينا أبدت من جانبها مرونة لتسهيل الحل السياسي تتمثل بعدم الإصرار على رحيله الفوري، والانتظار شهور قليلة أي إلى حين انطلاق المرحلة الانتقالية، لأن أنقرة تعي ما تعيه أيضاً كل العواصم المعنية، لو كانت تمتلك فعلا الإرادة للحل، وفاده أن من المستحيل التوصل إلى حل السياسي للقضية السورية في وجود الأسد ونظامه. أماإصرار طهران وبدرجة أقل موسكو على التمسك بالأسد يعني حكماً عدم انفتاحها أو قبولها بالحل السياسي أو على الأقل لا تجد نفسها مرغمة أو مقتنعة أن الظروف مناسبة ومؤاتية للانطلاق به.

يجب الانتباه أيضاً إلى تاكيد يلدريم، وفي نفس المناسبة عن عدم غض تركيا نظرها عما يرتكب من جرائم إبادة في سورية، ما يعني أن أي حلّ يتجاهل ذلك لا يمكنه أن يكون عادل أو مستدام، والأهم فصله بين إيران وروسيا، وحتى واشنطن بالإشارة إلى أن دول المنطقة أدرى بمشاكلها وأقدر على حلّها. وأن واشنطن وموسكو وبقية دول التحالف الدوليإذا ما امتلكت إرادة للحل السياسي، فإنّ بالإمكان تحقيق ذلك.

عند حديثه عن دول المنطقة تحدث رئيس الوزراء التركي عن إيران، ولم يتطرق إلى الرياض التي تبدو أيضاً لاعب مهم في الملف السوري، وهذا ما قد يعبر عن برود في العلاقة، رغم نفي يلدريم أي علاقة للرياض بالانقلاب، بل وشكره لها على موقفها المساند للسلطات الشرعية المنتخبة ولكن يبدو أن ثمة اختلاف في الرؤى، خاصة فيما يتعلق بالكيان الكردي، وعدم الحساسية السعودية تجاه فكرة الفيدرالية، كما تبدو الرياض أحياناً وكأنها منشغلة بالملف اليمني أكثر منها بالملف السوري.
إضافة نوعية للموقف أو خارطة الطريق التركية للحل في سورية قدمها وزير الخارجية مولود شاويش أوغلو لصحيفة الشرق الأوسط أول أمس الجمعة، والتي أعاد فيها التأكيد على أسس الرؤى التركية التي لن تتغير بما فيها النظرة لبشار الأسد وبقايا نظامه. شاويش أوغلو قال أن تركيا دعت دائماً لحلّ سياسي باعتباره الحل الأنسب والأكثر واقعية، وهذا لن يتغير؛ وأن تركيا دعت إلى وحدة الأراضي السورية، وهذا لن يتغير. تركيا دعت إلى الشروع في تحقيق مرحلة الانتقال السياسي وهذا لن يتغير، تماماً كما الموقف من بشار الأسد المسؤول عن قتل 600 ألف مواطن، وهي ترى أنه يجب أن يرحل وحتى قبل المرحلة الانتقالية، لأن لا فرصة لأي حلّ سياسي بوجوده بعدما ما فعل، ولأن المعارضة السورية والشعب السوري وقوى إقليمية مهمة اخرى مثل الرياض ولدوحة لن تقبل أبداً بوجوده أو بأي حلّ يقنن أو يشرعن ذلك.

في الحقيقة وكما قلنا دائماً ، ليس ثمة تغيير جوهري في الموقف التركي من القضية السورية سوى في خيال الحشد الشعبي الإعلامي المريض، والمستمر في تضليله الإعلامي ضد تركيا، وحربه النفسية ضد الشعب السوري وقواه الثورية وما نحن بصدده الان، ليس سوى محاولة للانخراط أكثر في الجهود السياسية ، خاصة بعد العزوف الأمريكي ، ومع السعي فى نفس الوقت للحفاظ على المصالح الاقتصادية المتبادلة والمشتركة مع موسكو وطهران، وتنظيم الخلاف معهما حول سورية أو على الأقل الاحتفاظ بقنوات سياسية مفتوحة معهما للحوار حول التطورات في جارها الجنوبي، وأنقرة تعي طبعاً أن آوان الحل السياسي لم تحن بعد، وهي ستسعى دائماً إلى منع تمدد الإقليم الكردي على حدودها، كما استفادة الارهابيين والنظام من قتال داعش، والحيلولة طبعاً دون إضعاف أو كسر المعارضة السورية، سياسياً وعسكرياً وميدانياً في سورية بشكل عام، وفي حلب بشكل خاص.

(اورينت نت)

السابق
إبتزّ المرضى… فعاقبه ابو فاعور
التالي
النظام السوري يدين تدخّل تركيا ويحملها مسؤولية التداعيات‏