الفرع 215.. محرقة المعتقلين السوريين

“توفي خلال أربعة شهور فقط 704 رجال بمعدل أربع حالات وفاة يوميا أثناء اعتقالي في الفرع 215؛ لأسباب تتراوح بين الأمراض والتعذيب وفقدان العقل والإعدامات، بقيت الجثث بالمهاجع لمدة يومين إلى جانب المعتقلين، كنا نحمل الجثث في الصباح لساحة الفرع، ثم تأتي سيارات على شكل صناديق حديدية أو سيارات القمامة، يتم رمي الجثث فيها والتخلص منها في أماكن خارج المعتقل”. كانت تلك شهادة أحد المعتقلين المفرج عنهم من الفرع الأمني 215 الأسوأ في سوريا.

ويقع الفرع الذي وصفته الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بالمحرقة السورية” في حي كفر سوسة بالعاصمة دمشق ويتسع لما يقارب 8000 معتقل، تقول عنه روايات معتقلين سابقين التقتهم “عربي21″ إن النظام السوري قام بتكديس المعتقلين في أقبية الفرع حتى مات الكثير منهم اختناقا أو جوعا.

وبحسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن الفرع يحتوي على ما لا يقل عن 7500 محتجز تُمارس عليهم جميعا أفظع أساليب التعذيب.

كسر العنق والموت جوعا

ويوثق المعتقل السابق إياس الإدلبي في حديث لـ”عربي21” مقتل ما يقارب 15 شخص يوميا في الفرع تحت التعذيب بأساليب مختلفة منها “الشبح (التعليق من اليد والقدمين مرتفعتين عن الأرض) والضرب بالمطرقة على الرأس والصعق بالكهرباء والتجويع حتى الموت، وكسر العنق”.

أما عن ظروف الاعتقال، والتي تعتبر بحد ذاتها أحد أساليب التعذيب الجسدي والنفسي، حسب إياس، “فالمساحة الضيقة المخصصة للمعتقلين فلا تتجاوز في غرف الحديد المخصصة لأربعة أشخاص في أحسن الأحوال (بلاطة ونصف) للمعتقل الواحد، وعليه أن يمضي يومه في هذه المساحة التي يستخدمها للنوم والأكل والجلوس”.

ويروي الإدلبي لـ”عربي21″ بعض أساليب التعذيب المستخدمة في “الفرع 215” ويقول: “الموت كان بثلاثة أو أربعة طرق تحت التعذيب أو بسبب الأمراض، فأي جرح بسيط ممكن أن يؤدي إلى أمراض خطيرة وتسبب الوفاة، أما أسباب الوفاة الشائعة فكانت بسبب فقدان العقل تحت التعذيب والوفاة بعد ذلك بـ10 أيام كحد أقصى”.

ويتابع أن “السجانين كانوا يعزلون من يصاب بالأمراض في غرف مخصصة حتى الوفاة، ثم يرمون الجثث في الحمامات، وعندما ندخل إلى الحمامات لقضاء الحاجة نجد أنّ الأرضية مفروشة بجثث المعتقلين، أما عن التعذيب فكانوا يضعون المعتقلين على كرسي حديد على بطونهم ويربط المعتقل ويتم شدّ الكرسي بشكل عكسي حتى يخرج الجذع بشكل كامل ويتم كسر ظهر المعتقل الذي يتوفى أو يصاب بالشلل”.

أما عن الرعاية الصحية داخل الأفرع الأمنية فيقول الإدلبي إنها “سيئة للغاية، إذ تنتشر الإنتانات والتقرحات الجلدية التي تصل في أغلب الأحيان إلى العظم وتسبب سقوط كتل لحمية من جسد المعتقل وغالبا ما تكون هذه الأمراض هي السبب الرئيس في وفاة المعتقل الذي يترك ليموت دون علاج”.

ويضم الفرع الذي يترأسه أحمد العلي أماكن لاعتقال النساء، وتقول إحدى المعتقلات السابقات، التي فضلت عدم ذكر اسمها لـ”عربي21″ إن السجانين “يقومون بتعرية الفتيات بشكل كامل والتحرش بهن في مرحلة التفتيش، وفي أغلب الأحيان يقوم مدير السجن بالإشراف على عملية تعرية المعتقلات وتهديدهن بالشبح عاريات”.

إعدامات ميدانية بالجملة

ويعمد النظام السوري للتخلص من المعتقلين السياسيين بإعدامهم فورا بمحاكم ميدانية، ويروي ناشط يدعى معتصم لـ”عربي21″ أن إدارة الفرع قامت بإعدام 150 معتقلا بعد إصابتهم بمرض الطاعون تخوفا من تفشي المرض.

العميد المنشق عن الأمن السوري عناد عباس تحدث لـ”عربي21″ عن هذه المحاكم الميدانية التي قال إنها “لا تعمل وفق أي ضوابط قانونية وغالبا ما تقوم بتنفيذ أحكام الإعدام بالمعتقلين السياسيين المحالين إليها من المدنيين والعسكريين على حدّ سواء”.

إقرأ ايضاً: الصندوق الأسود لفرع الأمن العسكري وسجن صيدنايا يفتحه معتقل سوري بشهادات مروعة

ويتابع: “يكون القاضي في المحكمة الميدانية عادة برتبة عميد أو لواء يحكم دون الرجوع إلى أي قانون وعلى هواه الشخصي ووفقا لحالته النفسية ويصدر أحيانا أحكاما بالإعدام الفوري”.

و”لا توجد أرقام محددة لضحايا هذه المحاكم داخل المعتقلات حيث تتم تصفية المعتقلين داخل أقبية المعتقلات نفسها”.

ويؤكد عباس أن “النظام قام بمذبحة جماعية في شهر نيسان/ أبريل الماضي قتل فيها العشرات في محاكم ميدانية داخل الفرع 215”.

الطريق إلى لاهاي

ويسعى ناشطون سوريون لتوثيق عمليات التعذيب في معتقلات النظام السوري تمهيدا لمحاكمة المسؤولين في محكمة الجنايات الدولية، وأطلق صحفيون سوريون من إسطنبول حملة تحت عنوان “إنتو الوجع” للدفاع عن المعتقلين.

يقول مدير الحملة أحمد قدورة لـ”عربي21″ إن هذه الحملات هي تمهيد لمحاكمة قادة النظام السوري ومرتكبي جرائم الحرب والتعذيب في المعتقلات، مبينا أن الحملة وثقت من خلال شهادات معتقلين عمليات إعدام وقتل ممنهج في أغلب المعتقلات السورية.

ودعا قدورة المجتمع الدولي للتحرك وإنقاذ ما يقارب 220 ألف معتقل ومفقود قسري في سجون بشار الأسد.

ملف منسي

مدير المركز السوري لتوثيق حقوق الإنسان بسام الأحمد وصف ملف المعتقلين السوريين بـ “الملف المنسي”، وقال لـ”عربي21″ إن ملف المعتقلين هو الأكثر تعقيدا بالنزاع السوري، لكن للأسف هو ملف منسي فعشرات الآلاف من المواطنين السوريين يتعرضون للاعتقال التعسفي، والكثير منهم قيد الاختفاء القسري وقضى الآلاف منهم تحت التعذيب”.

إقرأ أيضاً: صور تعذيب صادمة للأطفال في السجون..

ودعا الأحمد المنظمات الحقوقية الأممية للتحرك وفتح هذا الملف مناشدا “مجلس حقوق الإنسان بوضع قضية المعتقلين من قبل النظام السوري على رأس أولوياته والضغط على مجلس الأمن الدولي لتحويل الملف السوري برمته إلى محكمة الجنايات الدوليّة”.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت قبل أشهر روايات العشرات من المعتقلين في الفرع 215 واصفة إياه بالفرع الأسوأ والأقل إفراجا عن المعتقلين، كاشفة عن حالات التعذيب والقتل التي تمارس في الفرع، وقالت الشبكة على موقعها الإلكتروني إن أقسى عمليات التعذيب تتم داخل فرع المخابرات الجوية وفرع المخابرات العسكرية، والفرع 215 يتبع لها.

(عربي 21)

السابق
«الخوف» الإسرائيلي كوسيلة تشجيع لمزيد من غرف حزب الله في الحرب السوريا
التالي
انتهاكات جنسية واستعصاء بفرع الأمن العسكري يروي تفاصيلها معتقل نجا بأعجوبة