لو أن نصرالله على الضفة الأخرى

عشر سنوات مرت على حرب تموز وعبارة “لو كنت أعلم”، التي ربما تختصر حجم المستنقع الذي أُغرق فيه البلد فداءً لـ”النصر الالهي”.

33 يوماً من حرب إسرائيلية على لبنان نتيجة عملية أسر جنديين لم تُدرس عواقبها جيداً بحسب اعتراف الحزب… حرب ذهب ضحيتها المئات، دُمِّر فيها ما دمر، هُجِّر خلالها من هجر، وكبدت البلاد أزمة إقتصادية أُضيفت إلى أزماته المزمنة. رغم ذلك خرج الحزب رافعاً راية النصر.. وبعد سنوات قرر الدخول في حرب جديدة وصنع نصر جديد على الأرض السورية، غير آبه بمصير بلد لا يلبث أن يقف حتى يقع مجدداً.

آلاف الشبان شاركوا في الحرب السورية، كثيرون منهم عادوا جثثاً هامدة من هناك والسبحة ما زالت تكر…

مزيد من التعزيزات العسكرية يرسلها الحزب إلى سوريا وتحديداً إلى حلب التي نجحت الفصائل المعارضة المقاتلة بفك الحصار عنها.. مزيد من المقاتلين يذهبون من الجنوب والبقاع ومناطق موالية للحزب استعداداً لمعركة “مصيرية” جديدة يهدف الأمين العام السيد حسن نصرالله إلى إسقاط “أحلام إمبراطوريات” فيها. والنتيجة مزيد من الضحايا. ضحايا أي قضية؟ لا نعرف. لا نعرف سوى أن مزيداً من الدماء تُسفك وآلاف الأرواح تزهق، الشحن يتصاعد، والتأكيد على أهمية معركة حلب في كل خطاب يتوجه فيه الأمين العام إلى جمهوره، لا يتوقف.

هذا كله، أمام رأي عام متفرج على جولات حروب يخوضها شبان “حزب الله” على أرض الغير، فيما عشرات القضايا الداخلية لا تزال عالقة. وحتى الآن لم نرَ جهات رسمية وشعبية تحمل راية المساءلة، لم نرَ شعباً يطالب بتحميل “حزب الله” المسؤولية أو  حتى الاعتذار بالحد الادنى، الاعتذار عن حروب عبثية تخاض بقرار فئة من اللبنانيين من دون أي اعتبار للقرار الحكومي.

لم نرَ عائلات دفعت أثمان “بطولات” “حزب الله” تطالب بتقرير رسمي يسأل عن مدى “شرعية” قرارات الحزب وأعماله ومدى صوابية مساندة عناصره للنظام السوري.

لم نسمع أصواتاً رُفعت تتهم الحزب بالتضليل والعمل على اقحام البلد في حروب غير محددة الأهداف، بدأها دفاعاً عن المقدسات الشيعية مروراً بمحاربة التكفيريين وصولاً إلى إسقاط أحلام “إمبراطوريات آل سعود” ومشاريع “الشيطان الأكبر” على حد تعبير السيد نصرالله.

في المقابل، وعلى ضفة أخرى، علت منذ فترة أصوات أهالي جنود بريطانيين شاركوا في حرب العراق التي دخلتها بريطانيا منذ أكثر من عشر سنوات إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية للقضاء على الرئيس العراقي صدام حسين. مشاركة تركت ندوباً عميقة في سياستها، ذهب ضحيتها 179 جندياً بريطانياً.

وبعد سنوات مرت على انتهاء الحرب، تساؤلات عديدة اثيرت عن جدوى دخولها… علامات استفهام كبرى طرحها أهالي الجنود الذين اطلقوا صرخة مدوية تُرجمت في تقرير عام 2009 ونشرته منذ فترة لجنة التحقيق البريطانية “شيلكوت” بعد تأجيل حول الدور البريطاني المثير للجدل خلال حرب العراق عام 2003، وجهت فيه انتقادات قاسية إلى رئيس الوزراء الأسبق طوني بلير.

بحث التحقيق في صوابية قرار بلير وشرعيته آنذاك في مساندة الجيش البريطاني الذي خدم منه نحو 120 ألف جندي، للقوات الأميركية في اجتياح العراق.

أهالي الجنود الذين لم يكفوا يوماً عن المطالبة بنشر التقرير اتهموا رئيس حكومتهم الأسبق بتضليلهم كشعب أُوهم أن في العراق أسلحة دمار شامل، ما لم يتم التثبت منه، وكأهالي فقدوا ابناءهم في حرب بلا غاية باعتبار أن بلير فشل في استنفاد كل فرص السلام ولم يتأكد من وجود خطة مرنة وواقعية متكاملة من حيث المساهمات العسكرية والمدنية للمملكة المتحدة لمعالجة المخاطر المعروفة.

محامو عائلات 29 جندياً بريطانياً اعتبروا أن مسالة التدخل في العراق لا تزال تؤثر على السياسة البريطانية حتى اليوم، وطالبوا بلير بالاعتذار منهم.

إقرأ أيضاً: ريفي: حزب الله يدفع ثمن جريمة دخوله بـ «الوحل السوري»

انتهت حرب العراق، لكن آلام أمهات الجنود وعائلاتهم لم تنتهِ. والدة الجندي مايكل ترينش الذي قتل وهو في الثامنة عشرة من عمره قالت لوكالة الأنباء البريطانية: “طوني بلير أرسل 197 فتى إلى مجزرة. ليست هناك عدالة”.

إذا، على الضفة الأخرى هناك شعب يحاسب حكومته يطرح عليها مجموعة أسئلة، يعترف علناً بأحقيته في الحصول على أجوبة تشفي غليله أو تعوضه بعض الأثمان التي دفعها في الحرب. على الضفة الأخرى، أمهات تطالب المسؤول عن التضليل وإرسال إبنائهم إلى الحرب بالاعتذار… على الضفة الأخرى مجتمع بأسره على يقين تام أن للحروب حسابات وتداعيات ووراء كل حرب مسؤول عليه أن يُساءل ويُحاسب مهما كبر أو صغر حجمه.

إقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: الوضع الإنسانى فى مضايا «صعب» بسبب حصار حزب الله
أما هنا، على بقعة الـ10452 كلم2، فلم تكن الحكومة صاحبة القرار في خوض الحرب… ولا يمكن للحكومة أن تردع أو تحاسب الحزب الذي قرر إعلان الحروب في كل اتجاه… ولا يمكن لباقي المجتمع أن يحاسب أو يطالب بالمحاسبة وألا ترفع في وجهه تحذيرات الوحدة الوطنية والسلم الأهلي. والمجتمع الحاضن للحزب يعيش فداء لخطاب ولقرار ولمشروع أكبر منه، يعيش بطولات وهمية يحيي ذكراها من دون أي أفق.

على ضفة الـ10452 كلم2 ما أحوجنا إلى سماع والدة تطلق صرخة، كما والدة مايكل ترينش، وتقول: “حسن نصرالله أرسل أبناءنا إلى مجزرة… أين العدالة؟”.

(المدن)

السابق
جواد ظريف في تركيا: الإخوان المسلمين بوابة إيران للقاء السنة
التالي
سوسن «شهيدة» الإهمال… تحرّكوا كي لا نتحوّل جميعنا «شهداء»