حملات المقاطعة التي لا ترحم

في كل بلد عربي ، حملة لمقاطعة العدو الاسرائيلي، تصف نفسها بالشعبية وأحيانا بالجماهيرية، لكنها تقتصر على أنفار يحملون على أعبائهم ذروة هموم الامة وخلاصتها، قضية فلسطين، ويعتبرون أنفسهم طليعة او ربما ورثة آخر الاجيال الثورية التي انجبها العرب في ذلك الصراع المديد.. ومرشدين دائمين يخشون على الجيل الجديد أن يضيع البوصلة فينحرف ويقع في التيه.
وللبوصلة موقع في الذاكرة الشعبية الفلسطينية، التي لطالما خافت من تلك العبارة بالذات، عندما استخدمها الملك الاردني حسين عندما شن حملته العسكرية على المخيمات الفلسطينية في الاردن، في سبعينات القرن الماضي، او عندما رددها الرئيس المصري أنور السادات قبيل رحلته المشينة الى اسرائيل في تلك الفترة، او عندما جددها الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد لحظة دخوله العسكري الى لبنان في العام 1976 ، الذي انتهى بتدمير 12 مخيماً فلسطينياً على الاراضي اللبنانية تدميراً كاملاً او جزئياً، او عندما تذكرها نجله بشار الاسد لدى شروعه في تدمير بقية المخيمات الفلسطينية على الاراضي السورية. فكانت الحصيلة حتى الان 22 مخيماً فلسطينياً هدمها ذلك النظام السوري او أزالها من الوجود تماماً..
تحت عنوان “فلسطين هي البوصلة”، يتحرك هؤلاء “المرشدون” ، وبعضهم من عشاق الثورة الايرانية التي ذابت وما زالت تذوب في عشق فلسطين ، لكنها فشلت في حماية شعبها سواء في لبنان على مدى اربعة عقود من الحملة السورية المنظمة، او في العراق (حيث ساهم حلفاء الحرس الثوري الايراني تحديدا في تهجير فلسطينييه ورميهم في الصحراء قبل سنوات) او في سوريا التي لم يبق من فلسطينييها اليوم ىسوى مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة الذين يشكلون اليوم القوة الاشرس في معركة النظام ضد شعبه وضد الشعب الفلسطيني.

إقرأ أيضاً: عقد على رحيل «الختيار»: أبو القضية الفلسطينية
فقط من أجل حماية تلك البوصلة، ودوام الاهتداء بها، يتحرك اولئك “المرشدون” في اكثر من بلد عربي، يرددون أغاني القضية وأناشيدها، ويلوحون بأكفهم وأكفانهم احياناً ، لتذكير الجماهير بان فلسطين لن تتحرر الا اذا جرت العودة الى ذلك المسار القديم ، مسار اللقاء الخادع بين انظمة الاستبداد العربي (والايراني) وبين القضية التي كانت ذريعة تلك الانظمة وحجتها الاقوى..
حال هؤلاء “المرشدين” هو من حال تلك الانظمة، التي تنازع اليوم او تهمهم من بين القبور. تردد بين الحين والاخر انها وكالتها هي صون القضية، وحفظ الذاكرة الفلسطينية والعربية، مع انه ليس هناك دليل واحد على ان الذاكرة ثقبت او ان القضية انتهت.. ومحاولات التطبيع الراهنة لا يمكن ان تقارن بالمحاولات التي جرت في تسعينات القرن الماضي او حتى مطلع القرن الماضي، عندما كانت أسوار العالم العربي من المحيط الى الخليج تتهاوى أمام العدو الاسرائيلي. والمحاولات السعودية والخليجية الاخيرة، ترفد الخيانة الوطنية والقومية بالحماقة السياسية في التعاطي مع دولة اسرائيل التي لم يعد فيها “معسكر للسلام” ، ولن تتردد في الانفتاح على إيران عند الحاجة. وكذا الامر بالنسبة الى بقية العالم العربي، لاسيما مصر وسوريا والعراق (وحتى لبنان)، التي لم يجروء أحد من جماهيرها الموالية او المعارضة طبعا على خرق المقاطعة..ما خلا بعض النماذج المعزولة والمحدودة جدا.
حملات المقاطعة ليست جديرة بالاهتمام، الا لكونها صارت المنصة الاخيرة لفلول أنظمة اضطهدت الشعب الفلسطيني اكثر مما قاتلت العدو.. وبوصلة جديدة يخشاها الفلسطينيون الذين لم يبق لهم مخيمات لجوء صالحة للسكن في البلدان التي حملت لواء القضية ونصرتها.

إقرأ أيضاً: ايران والقضية الفلسطينية
لا يرجى من تلك الحملات سوى العفو عن الشعب الفلسطيني والرحمة به.. بدلا من زيادة عذاباته بصور الاسد والقذافي وصدام وسواهم .

(المدن)

السابق
بالصور والفيديو.. الطيران_الروسي يقصف إدلب بقنابل الفوسفور
التالي
بالفيديو: هكذا دخلت اول قوافل الاغاثة الى حلب بعد فك الحصار