التداعيات السياسية للمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا

طوى الانقلاب الفاشل صفحة الانقلابات في تركيا نهائياً، وربما طوى في السياق أيضاً صفحة المئوية الأولى من الجمهورية التركية الأتاتوركية فاتحاً صفحة المئوية الثانية التي ستكون أردوغانية بامتياز.

اقرأ أيضاً: السياسة الخارجية التركية ما بعد الانقلاب الفاشل

لا يمكن التشكيك طبعاً في حقيقة أن الرئيس أردوغان هو أحد الرابحين، بل الرابح الأبرز جراء دحر الانقلاب ظهوره التلفزيوني الحاسم المقدام والشجاع ليلة 15 تموز أطلق شرارة الثورة ضد الانقلاب، وجعل هزيمته مسألة وقت، بل ساعات فقط. وبعد ذلك باتت كل الأمور الأخرى على أهميتها مجرد تفاصيل في المشهد المهيب والتاريخي، بما في ذلك نزول الناس للشوارع والميادين بالملايين رباطة جأش وصمود رجال الشرطة وقوات الدرك الخاصة تحدّي النواب في البرلمان، توحّد الحلبة السياسية، كما الإعلام على اختلاف مشاربه وانتماءاته دفاعاً عن الشرعية الديموقراطية وحاضر ومستقبل البلد.

الانتصار السياسي الكبير، وحتى التاريخي للرئيس أردوغان سيجعله أكثر قدرة على الحسم في القضايا الداخلية الكبرى الثلاث الناتجة أو المرتبطة بالانقلاب مباشرة، أو غير مباشرة، وهي مواجهة جماعة غولن أو الكيان الموازي المتغلغل في أجهزة الدولة المختلفة المدنية والعسكرية، وإعادة هيكلة الجيش والمخابرات بعد أوجه القصور والإخفاقات التي ظهرت في إدائها، لا يمكن اخفاءها او إنكارها كما كيفية او آلية التعديل الدستوري، وشكل الدستور الجديد، وما إذا كان سيتضمن التحوّل إلى النظام الرئاسي أم لا.

المهمة الأهم أو أمر الساعة يتمثل بتطهير مؤسسات الدولة وجهازها الإداري، وحتى القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني من عناصر الكيان الموازي المسؤول مباشرة عن الانقلاب العسكري الأخير بعد شهور من اعتباره مجموعة إرهابية، و خطر على الأمن القومي، والان باتت الأجواء مؤاتية أكثر سياسياً إعلامياً، وحتى شعبياً لإنجاز المهمة غير أنها ليست سهلة أو بسيطة، كما يبدو للبعض فنحن نتحدث عن عشرات الآلاف من الأعضاء، و آلاف المؤسسات الخاصة، وإن كان الأمر يحتاج حتماً إلى الحسم والقسوة في مواجهة من قاموا بالانقلاب تخطيطاً وتنفيذاً، إلا أن العدالة ستكون مطلوبة أيضاً للحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي والإجتماعى، وضمان ألا يتأذّى الأبرياء، أو تسود ذهنية الانتقام بدلاً من العدالة إحقاق الحق.

الأجواء ستكون مؤاتية أيضاً من أجل إعادة هيكلة الجيش، ورغم عدم تورط رئيس الأركان وكبار الضباط أو التراتبية القيادية بشكل عام، إلا أنهم عجزوا أيضاً عن إحباط أو إجهاض الانقلاب، علماً أن سيرورة الإصلاحات بدأت بشكل تدريجي بطيء منذ سنوات أي منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة، حيث تمّ إقرار تعديلات دستورية منعت تدخل الجيش في السياسة، إلا أنها أبقت كل ما يتعلق به بتصرف قيادته دون رقابة أو محاسبة فعلية سياسية، وحتى برلمانية. الآن أمر اختلف ستكون إعادة هيكلة بإشراف القيادة السياسية المنتخبة، وسيزال التمييز عن دخول فئات أو شرائح اجتماعية واسعة من الشعب إليه، مع إبقاء الأمور المهنية بيد قيادته طبعاً، والاستماع لرأيه في القضايا الأمنية القومية التي تمس مصالح البلاد، كما هو حاصل فعلاً في مجلس الأمن القومي الذي يجتمع كل شهرين أو مجلس الشورى العسكري الأعلى الذي يجتمع مرتين سنوياً.
أجواء الوحدة الوطنية التي تبدّت في مواجهة الانقلاب، وتكاتف الأحزاب السياسية، كما الوسائل الإعلام المختلفة دفاعاً عن الديموقراطية والمؤسسات الشرعية ستخفف حتماً من الاستقطاب الحاد، الذي كان سائداً قبل الانقلاب تحديداً فيما يتعلق بالسجال حول الدستور الجديد، والانتقال إلى النظام الرئاسي بدلاً من النظام البرلماني المعمول به حالياً. وكما قال رئيس الوزراء فإن صفحة جديدة فتحت مع أحزاب المعارضة؟

وحتى أن الرئيس أردوغان نفسه، وفي حواره مع رويتزر الخميس 21 تموز، ورغم تحفظه على رفض بعض أحزاب المعارضة لفرض حالة الطوارىء، إلا أنه تحدث عن التوافق فيما يتعلق بالإصلاحات الدستورية، وأشار تحديداً إلى إمكانية الاكتفاء بتعديلات محدودة، ومن ثم استفتاء شعبي عليها، وهو يقصد بالتأكيد فكرة الرئيس المتحزّب التي تكتف بتعديل بنود قليلة في الدستور، ما يعني تحاشي سجال، وحتى انقسام حادّ حول صياغة دستور جديد بما في ذلك الانتقال الصريح والمباشر نحو النظام الرئاسي الذي تتحفظ عنه شرائح سياسية واجتماعية واسعة، علماً أن الفكرة ستبقى مطروحة حتماً، حتى لو تم تأجيلها لبعض الوقت.

القوة السياسية التي خرج بها الرئيس أردوغان بعد تصديه للانقلاب، وحالة التوحّد السياسي الشعبي الجماهيري يفترض أن تنعكس أيضاً على إدارة السياسة أو الملفات الخارجية، وسيتم المضي قدماً في مسار التهدئة القائمة أصلاً على صيانة وحفظ المصالح القومية التركية، كما هو الحال مع المصالحات والتطبيع مع كل من روسيا وإسرائيل. وهنا يجب الاطمئنان من السوريين أو العرب المتعاطفين مع الثورة السورية، كون القضية السورية العادلة باتت جزءاً من الأمن القومي التركي تحديداً فيما يتعلق برفض كيان كردي أو تقسيم سورية مع التمسك ببيان جنيف كأساس لأي حلّ عادل ومستدام في سورية، دون التخلّي عن المسؤوليات الأخلاقية والسياسة تجاه اللاجئين السوريين الموجودين في البلد، حتى مع الخلاف أو السجال حول اقتراح إعطائهم كلهم أو البعض منهم الجنسية التركية.

الانقلاب

التغيّر الأهم في السياسة الخارجية سيحصل في العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، ومع اليقين أو شبه اليقين السياسي والشعبي بتورط أو دور ما لأمريكا والغرب بشكل عام في قصة الانقلاب، باعطاء ضوء أخضر برتقالي أو حتى معرفة بالأمر دون التحذير أو إبلاغ السلطات به سيكون شد وجذب مع واشنطن حول قصة تسليم فتح الله غولن. كما الوضع في قاعدة انجيريليك إحدى قواعد الانقلاب الرئيسية، ومع تبدّل اللهجة الأمريكية، ونزوع واشطن للتهدئة والاستعداد لنقاش جدّي حول تسليم غولن، وخطة الانقلاب بشكل عام، لن تتطور العلاقة للأسوأ مع حرص الجانبين عليها لمصالح مشتركة آنية واستراتيجية، ولكن حتماً ستبقى ظلال من الشك وعدم الثقة حاضرة بين البلدين، وربما يؤدي التغيير الرئاسي في أمريكا إلى إعطاء دفعة للعلاقات خاصة. إذا فازت هيلاري كلينتون، و عمدت الإدارة الجديدة إلى تغيير جدّي لسياساتها في سورية والمنطقة بشكل عام.

الأمر سيكون أصعب مع أوروبا، خاصة مع الاحتقان حول اتفاق اللاجئين، ثم الرفض الأروبى لإعادة فرض حكم الإعدام، وهو الأمر الذي يكاد يكون حتمياً في تركيا خاصة تجاه قادة الانقلاب والمسؤولين عن توجيه البنادق والرصاص تجاه المدنيين والمؤسسات السيادية التركية وستتعثر حتما مفاوضات الانضمام التركي إلى الإتحاد الأوروبى وربما يتعثر اتفاق اللاجئين أيضاً، لكن بشكل عام سيكون حرص على علاقات معقولة أيضاً لحاجات أمنية سياسية اقتصادية آنية واستراتيجية، ولكن ستمثل محاولة الانقلاب الفاشلة والرد الحكومى عليها علامة فارقة في مسيرة العلاقة بين الجانبين.

القوة السياسية التى اكتسبها الرئيس أردوغان ستدفعه للمضي قدماً في التوجهات التي كان قد إعتمدها منذ التغيير الحكومي الأخيروتتمثل بالانفتاح شرقاً نحوالصين واليابان، و غرباً بإتجاه أمريكا اللاتينية وجنوباً نحو القارة السمراء مع تحسين للعلاقات مع الدول العربية، ورفع مستوى التبادل التجارى، خاصة مع دول الخليج العربي، وعلى عكس ما يتوقع كثيرون قدلا يكون تصعيد كبير مع النظام في مصر، بل ستسير الأمور ولو بعد حين بإتجاه التهدئة والتطبيع الإقتصادى وفق ما كان قد أعلنه رئيس الوزراء بنيالى يلدريم قبل الانقلاب بفترة وجيزة .

(اورينت نت)

السابق
المسلحون في حلب سلموا الأسلحة والعائلات خرجت
التالي
«تواصل مع الشرق» يعود الإثنين .. وعمر قصقص يكشف: «ممنوع النق»!