انا بنت الخيام… سأعانق الفائز

الخيام

الاختلاط واجب وطني. يجدر بمن سيعيد النظر مجدّداً في الدستور اللبناني ان يدرج هذه العبارة في متنه وصلبه. لا نريد ان نتحوّل الى ماء وزيت. هذا افتراء وخيانة…

اقرأ أيضاً: الخيام مش يثرب… وشو رأيكم بالفيدرالية؟

انا جنوبية من الخيام. لا اتردّد كثيراً الى بلدتي الحدودية التي أعشقها لكن عن بعد. يريحني ان أعرف أنها بخير. هذا يكفيني… لكن أخشى أنها لم تعد كذلك.

لست على تواصل مع معظم أبنائها لكنني أعرف أنهم من الطينة الطيبة “الضيعوية” الفاتنة بحكاياتها المتكرّرة، لكن الجميلة والبسيطة. احلم بمنزل عائلي صغير هناك تعبق فيه الحياة… وحلمي لم يمت.

آخر مرّة زرت الخيام قطعت المسافة من بيروت الى البلدة بوجع كبير لفقدان عمتي ليس فقط بسبب حبي الكبير لها بل لأنها من دون أن تدري كانت العنوان الاساس لكل زيارة الى الخيام.

هي موجودة، إذا الرحلة أجمل وتستحق قطع الارسال مع كل ما هو معتاد وروتيني في حياتي. رَحَلت عمتي وبقيت الخيام. ثمّة ما يعزّيني. سأخترع أي سبب لأبقي الضيعة ضمن دائرة أولوياتي. أمي، قعر وجعي، ترقد تحت ترابها منذ 16 عاما. إذا، سأبحث عن خط تماس مع الحياة فيها.

ماذا مثلاً عن ماراتون جنوبي؟ الفكرة ساحرة. سيكون الركض أجمل، والهواء أنقى، والرعاية بحكم الانتماء أفضل. سأكون ربما وسط “مغتربين” آخرين عن أرضهم، تماما مثلي، يزورون بلدتهم على المواسم. وسأكون بين جنوبيين أتجرّع منهم كل ما يسدّ رمق البساطة والعفوية وروعة التمسّك بالارض.

لن اسأل من هو رئيس البلدية الحالي الذي نسيت اسمه ولم انتخبه اصلاً. انا الجنوبية التي لم تنتخب يوماً في بلدتها لأن قانون الانتخاب لا يعجبها ولان السيطرة الحزبية كافية لإحباط أي نوع من مبادرات التمرّد طالما ان البعض يتعاطى مع الورقة البيضاء كممسحة حذاء.

سأبحث عن منسّقي الماراتون وتاريخ الانطلاق ونقطة الوصول. عن مسار الركض ومدّته. سألبس شورتاً وتي شيرت. الطقس حار إذا لا داعي لاحتياطات ليست في محلها. سأكون قوة مؤازرة لرفيقاتي بلباسهنّ الشرعي. هنّ اللواتي يتحمّلن أكثر من غيرهم عبء الركض في جوّ ملتهب. سألجأ الى عدّة الركض المشروعة والطبيعية. وسأختلط مع من يجب ان اختلط معهم. مع من “تجبرني” الطبيعة والقانون والدستور والمنطق والحق والعدالة والمساواة ان “أخالطهم”. كيف لي ان أركض خلافا للطبيعة! من أمر بذلك، وبأي حق؟

ملاك عقيل
ملاك عقيل

بروفيلي في العالم الافتراضي يدلّ على هويتي الحقيقية. من يعرفني عن قرب يمازحني بعبارة “المتوالية المارونية”ّ! صحيح انني كنت امتعض من كل من “ينعتني” بعبارة “مش مبيّن عليكي شيعية”، حتى من أهل طائفتي أنفسهم، ألا أني كنت اشعر بفرح داخلي كبير يلي لحظة الامتعاض: نعم انا واحدة من هذا المدّ الشيعي الهائل الذي تربّى على أسلوب حياة ولهجة ونمط تفكير يرفض طائفتي وديانتي بكل مقوّمات الاعتدال والانفتاح والاستيعاب واحترام الاخر اياً تكن معتقداته والتزاماته. انا الشيعية التي اخالط المحجّبة و”السافرة”، مثلي، ومقاطِع الكحول ومتذّوقها، مثلي. ومن لا يقفّي ركعة ولا صلاة ومن لا يصلّي، مثلي…

أنا الجنوبية سأشكر أمي البقاعية وأبي الذي أعشق لكنته الجنوبية ورفضه الفطري لكل ما هو معلّب في السياسة كما في الدين، لأنهما التقيا على حب وزواج وعائلة رائعة عنوانها الاصلي الخيام.

سأركض في الخيام وجوارها. سأجالس الذكور واستعير قنينة المياه من رفيق ركض لا أعرفه. وربما أطبع قبلة طفولية على خده لجميله عليّ، لأني كدت أموت عطشاً فأنقذني بجرعة ماء. سأركض في كل ماراتونات الجنوب. وربما سأقع في غرام أحد العدّائين. لن أسأل عن أي رئيس بلدية يأتمر بإملاءات مخالفة للطبيعة ودين التسامح. سأركض في الجنوب، كما أحب وكما أريد… وسأعانق الفائز.

(الخيام)

 

السابق
هذه هي الوصفة السحرية لمكافحة مخاطر الخمول
التالي
مفاجأة … بعد معرفة عمر البكتيريا المعوية لدى البشر!