الإعدامات تدفن الإنقلابيين وتركيا

تتراكم الألغاز ويعلو طوفان الأسئلة التي تطرح يومياً حول الإنقلاب الفاشل في تركيا: كيف جرت هذه العملية فعلاً، هل كانت حركة عسكرية غير مدروسة، أم انها “مراهقة” لتفشل بهذه السرعة، ام انها عملياً جاءت مرتجلة، كما أوحت وسائل إعلام تركية معارضة، إستباقاً لحملة إعتقالات كان اردوغان قد أعدّها في سياق سياسته الإمساك بعنق الجيش؟
أيضاً لماذا حلقت طائرة اردوغان مدة ساعتين ونيف في فضاء مطار أتاتورك في اسطنبول ولم تجبرها مقاتلات الإنقلابيين على الهبوط أو لم تسقطها، وهل كانت إدارة تزود الوقود التي يستعملها “التحالف الدولي” ويشرف عليها الأميركيون في قاعدة إنجيرليك، على صلة بالحركة الإنقلابية لأنها زودت طائراتهم الوقود؟ ولماذا التخبط الإعلامي الرسمي، فوكالة “الأناضول” نشرت تقريراً عاجلاً يقول إن قائد القوات الجوية السابق أكين أوزتورك اعترف بقيادة المحاولة الإنقلابية، لتنشر فوراً إفادته المناقضة “لست أنا من دبر الإنقلاب وقاده، ولست أدري من قام بذلك، بحسب خبرتي أعتقد ان الكيان الموازي هو من نفذ هذه العملية”!

لكن كل هذه التساؤلات التي لن تجد الآن أجوبة سريعة، لا توازي إطلاقاً طوفان التساؤلات الأخرى: ماذا سيفعل أردوغان والى أين يمكن ان يصل في مشروع ترسيخ “كيان السلطنة” التي بدأ بتركيز ملامحها، والتي لا تتسع لا لمعارضة ولا لمعارضين حتى من رفاق الدرب كعبدالله غول وأحمد داود أوغلو؟

اقرا ايضًا: المنطق التبريري عند «هرموش» يحكم بضلال داعش!
ما هي خطته المُضمرة منذ زمن التي سيعجّل الآن في تطبيقها، في سياق عملية التطهير الشاملة والعميقة، التي يبدو انها ستستهدف أربعة شرائح مهمة في المجتمع التركي، لطالما عارضت إندفاعه الحماسي في أسلمة الدولة ومحو ثقافة العلمنة نهائياً وإنهاء الارث الأتاتوركي، وهذه الشرائح المهمة هي: الجيش حارس الأتاتوركية الذي تراجع دوره في الأعوام الاخيرة، والسلطة القضائية المؤيدة لديموقراطية بعيدة من نزعة التفرّد، والمعارضة السياسية، والمجتمع المدني الذي بدأ بقمعه عام ٢٠١٣ إنطلاقاً من ساحة تقسيم على ما يتذكّر الجميع، وكل هؤلاء حصلوا في الإنتخابات الأخيرة على نسبة ٥٠,٥٠ ٪‏ من الأصوات.
لا أعتقد ان اردوغان سيذهب الى حد تنفيذ الإعدامات في الإنقلابيين على رغم قوله “ان الإنقلابيين إرهابيون والإرهابيون يجب قتلهم، الناس لا يحبذون السجن المؤبد، لماذا ينبغي إبقاؤهم وإطعامهم في السجون، الناس يريدون نهاية سريعة… هناك جريمة خيانة واضحة والإعدام لا يمكن ان ترفضه حكومتنا اذا أقره البرلمان”.
قد لا يحصل هذا لأن الإنخراط في تنفيذ الاعدامات، سيقضي على ما هو أهم من طموح تركيا في دخول الأسرة الأوروبية، لأنه سيعدم آخر الملامح المتبقية من تركيا كدولة تتحدث عن الديموقراطية، ولأنها ستكمل دورة الإنتقال من ديكتاتورية العسكر الى ديكتاتورية السلطان!

(النهار)

السابق
وزراء لبنان غيّروا الإقامة والسبب.. الفئران!
التالي
ترامب: نتيجة التسامح مع المهرّج