زجل في الشارع الخلفي

راشد فايد

لا أويد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وأرفض جريمة الشاحنة في نيس الفرنسية، وأندد بالتفجير في الكرادة العراقية. لكن كل ذلك، لا يعني تأييد حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولا الدفاع عن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أو الرئيس العراقي حيدر العبادي. فالقضية – القضية، في الحالات الثلاث، هي في المبادئ التي نقيس بها الأمور: الانقلاب هو ضرب للديموقراطية التي أتت بأردوغان عبر صناديق الإقتراع، وعملية الانتحاري في فرنسا اعتداء على حق الناس، في الحياة الحرة، تماماً كما في تفجير الكرادة، الذي من ارتداداته، التمديد للتناحر في العراق.
هل هذا ما كشفته، في الأيام الأخيرة، وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت مرايا الشعوب ومدى وعيها؟!
ما يمكن استخلاصه، لبنانياً، هو الخفة السياسية، وغياب القيم الكبرى، وفي الطليعة، حرية التعبير، وأهم مداميكها مسؤولية الكلمة. وللأسف كشف التراشق اللبناني، على صفحات التواصل الاجتماعي، تفشي تفاهة الأفكار السياسية التي تتحكم في الرأي العام، لا سيما بعض من طبقة من يوصفون بالمثقفين وقادة الرأي.
فالجميع تحركهم الغرائز، كالشماتة، والعنجهية. والاثنتان تسندهما رؤى سياسية قاصرة، وانفعالية، في جذرها استرضاء ولي الأمر، سواء في صف “الممانعين”، أو في جهة “القابلين”. وبدل القلق على الديموقراطية في تركيا حل تأليه الرئيس أردوغان، و”تزعيمه” على السنّة قاطبة، وبدل إدانة الانتحاري، ومنطقه الإرهابي، كان الاكتفاء بالتباكي، والتبرؤ من إسلام القاتل، وهو ما غاب عن قتلى الكرادة، على ضخامة عدد ضحايا التفجير البغدادي، وكأن المتباكين يتزلفون للقتلى البعيدين جغرافيا عنهم، ولا يلحظون الدماء المهدورة تحت أنظارهم.
الحدث التركي هو الأقرب زمنيا إلى هذه الملامح، ومستعجلو الشماتة، قبل أن يجهض الانقلاب، نسوا أن “عدوهم” أردوغان صالح قبل ايام راعيهم الروسي، الذي أوقف نظام الأسد على قدميه وشاركه في قتل السوريين وإحراقهم بالقنابل الفوسفورية وبراميل المتفجرات، وجرب بأجسادهم أسلحته الجديدة. أما متعجلو التهليل لنصر أردوغان فقد نسَوا مضار هذا التفاهم، المتوقعة، على الثورة السورية، وتشاركوا مع خصومهم “الممانعين” في تجاهل عودة أنقرة إلى ما يشبه الحياد والوساطة تجاه القضية الفلسطينية، بإعادة العلاقات مع تل أبيب. ويمكن التساؤل، تحت وابل “التهليل” لسقوط “المؤامرة”: ما الموقف إذا تراجع أردوغان، في الأزمة السورية، إلى القبول ببقاء الأسد بحسب ما رشح من موسكو؟

إقرأ أيضًا: «مجاهدو خلق»… ورحلة الدم الإيراني المسفوك قمعاً وثأراً (2)
في إطار هذه اللوحة، تحولت وسائل التواصل إلى مصطبة ردح وزجل، وجاء الحدث التركي، ليكشف تفاهة التهافت عليها. وبين “حريم السلطان” و”لحم الأكتاف” شعر المتابعون أنهم في شارع خلفي يشهدون تشاتماً معادياً لأي فكر، أخرج البعض خلاله “جثث” العصبية والمذهبية، من مقابر الذاكرة، وجرد من ينتمي إليهم، من الهوية الوطنية الجامعة.

المصدر: النهار

السابق
داعش تتبنى منفذ عملية الطعن في ألمانيا
التالي
إيران وحماس والأزمة التركية