الضاحية الجنوبية أرض الدماء… والمال

كان للضاحية الجنوبية النصيب الأكبر من الضرر المادي والمعنوي الناجم عن حرب تموز 2006. تعرضت أغلب وسائل المواصلات للدمار وتدمرت الاف الوحدات السكنية ومئات المحالات التجارية.

إستلمت شركة وعد عملية إعمار الضاحية وتمكنت الشركة من تسليم أول مبنى منجز بعد تسعة أشهر من إطلاق عملية اعمار الضاحية، وبدأت الشركة بتسيلم المباني المنجزة تباعاً إلى الحين الذي أعلن فيه حزب الله عام 2011 عن إقتراب موعد إنتهاء مرحلة اعادة الإعمار.

خلال فترة اعادة إعمار الضاحية، إنتشرت لوحات للسيد حسن نصرالله مرفقة بكلمته الشهيرة «الضاحية ستعود أجمل مما كانت». ظهر الكثير من الخلافات حول آلية إعادة إعمار الضاحية، وتحدث حينها نقيب المهندسين سمير ضومط عن حاجة الضاحية إلى «مخطط توجيهي» للمنطقة بكاملها فرفض الإقتراح من قبل حركة امل وحزب الله.

بعد إنتهاء مرحلة إعمارها غلب طابع الفروقات الطبقية على سكان الضاحية، إذ تمركزت الإستثمارات الحديثة في المناطق التي تعرضت للقصف والدمار مما اعطاها جرعة لإحياء الأسواق فيها. أما من الجهة الاخرى فيمكن ملاحظة غياب دور الإنماء والتهميش المتعرضة له احياء برج البراجنة والرويس والمريجة والمعمورة والليلكي وغياب الإستثمارات المتوسطة عنهم.

الأسواق في الضاحية الجنوبية
الأسواق في الضاحية الجنوبية

تعرضت منطقة برج البراجنة إلى تفجير دموي ذهب ضحيته 43 شخصاً، وحصل التفجير داخل اسواق عين السكة.

«شهدت أسواق البرج تراجعا في المبيعات» بحسب رواية علي ج. صاحب محل لبيع الملبوسات، وأضاف أن عام 2016 كان دون المقبول لناحية الشراء والبيع فقد تدنت أرباحه 40% مقارنة مع عام 2014. الامر الذي قد يدفعه إلى إغلاق محله والتوجه إلى منطقة اخرى في الضاحية الجنوبية ويرجح علي أن المنطقة التي سيتوجه إليها هي إما بئر العبد أو حارة حريك ولكن «حتى في هاتين المنطقتين سأواجه مشاكل مالية أيضاً، سببها إرتفاع سعر إيجارات المحالات التجارية».

يصف محمد بحسون إحد ساكني أوتستراد السيد هادي نصرالله الشارع الذي يوصف بالمزدهر. فالتحول الإقتصادي والقدرة الشرائية واضحة جداً في هذه المنطقة. ورأى محمد أنه «لا يمكن مقارنة الوضع الإقتصادي لمنطقة هادي نصرالله حالياً بالوضع الذي كانت عليه عام 2006 لقد إزدادت المؤسسات التجارية بشكل ملحوظ». وبات معروفا أن «الإستثمارات المتوسطة على اوتستراد هادي نصرالله مضرة بالأحياء الخلفية» بإشارة منه إلى منطقة الرويس المجاورة للأوتستراد.

وأضاف «هذا ليس مسؤولية التجار بقدر ما هو مسؤولية الدولة المتوجب عليها النظر إلى المناطق التي تزداد تهميشاً على حساب المناطق المزدهرة في الضاحية. عند قول كلمة أوتستراد السيد هادي سيتذكر سكان الضاحية محلات المأكولات، ويعد وجود اربع محالات لبيع المأكولات بمحاذاة بعضهم إشارة مهمة لفهم الطبيعة الإستهلاكية للضاحية».

إقرأ أيضاً: «الضاحية الجنوبية» وحكايات الموت.. «الجنونية»

لكل حيّ بالضاحية الجنوبية طابعه الإقتصادي الخاص به، فقد تماسكت البنية الإقتصادية لكل منطقة في الضاحية بعد حرب تموز، وبدأت كل منها تكسب هوية تجارية خاصة بها. بحيث يطغى على الرويس وبئر العبد محلات الملبوسات الشعبية والمطاعم  والمأكولات، ومن ناحية اخرى تزدهر محالات بيع الملابس الثمينة في منطقة حارة حريك ومعوض، وتنشط المؤسسات التجارية الخاصة ببيع لوازم السيارات في منطقة الأوزاعي والغبيري. أما منطقة السان تريز المحاذية للمناطق المسيحية فإستطاع المستثمرون المقيمون فيها الإستفادة من موقعها الجغرافي فعمدوا على فتح المقاهي والمطاعم الفاخرة.

وفيما يخص الطفرة المالية التي تشهدها بعض مناطق الضاحية الجنوبية، قال حسن ع، صاحب احد المقاهي في الرويس أن الأموال المتدفقة إلى الضاحية أساسها حزب الله، وأن رؤوس أموال الحزب تتحرك بقوة داخل الضاحية وبعدة أشكال ويأتي إنفجار الإستثمارات كظاهرة حسية على وجود أموال طائلة بمكان ما يجب صرفها وتوظيفها.

وأردف حسن أن صعود بعض المناطق على حساب المناطق الاخرى في الضاحية بدأ في اواخر عام 2014، ولكن عام 2015 كان عاما ملفتا جداً. أما النقطة المفصلية والأهم في الظاهرة هي أن عددا كبيرا من أصحاب المحلات الجديدة المزدهرة إما توجهاتهم السياسية تابعة لحزب الله او ان بعضها مملوكة فعلا لبعض قيادات الحزب».

وعن العمل في مجال المولدات الكهربائية قال احد اصحاب المولدات في منطقة المريجة والذي رفض ذكر اسمه، انه دخل عام 2008 بشراكة مع احد قيادات حزب الله في مشروع المولدات الكهربائية ويتقاسمان الأرباح فيما بينمها ويستفيدان من المازوت المهرب من سوريا إلى لبنان. كذلك تحدث صاحب المولد عن المكسب المادي الوفير الذي جناه من المولدات وهو ما سمح له بإستثمار مقهى كبير في الجنوب.

إقرأ أيضاً: لا زحمة عيد في الضاحية الجنوبية

إن الولاء لحزب الله يعد شرطا رئيسيا من شروط اللعبة الإقتصادية في الضاحية الجنوبية ويأتي الولاء لحركة أمل كتحصيل حاصل، فتقول مريم قاسم المشرفة مع ابيها على إدارة السوبر ماركت العائدة إليهم، أن وضع صورة السيد نصرالله وصور شهداء الحزب تزيد من توافد الزبائن المحسوبين على جمهور حزب الله وهم كثر، ومع مرور الزمن سيتحول المكان إلى خلية نحل، ذلك ان طبيعة جمهور حزب الله يحبون الإفادة والإستفادة من بعضهم بعض ويمكن القول ان صور الشهداء عامل ربحي لأصحاب المحالات التجارية».

اعمار الضاحية بعد الحرب
اعمار الضاحية بعد الحرب

أما عن العمالة السورية المنتشرة بكثافة في الضاحية الجنوبية فقال اللبناني محمد قميحة المقيم في منطقة برج البراجنة انه سعى لإيجاد فرصة عمل في أكثر من مقهى في الضاحية ولكن دون جدوى، وقال «أمتلك هوية لبنانية لقد باتت شيئاً سخيفاً في هذ البلد وأفكر احياناً برميها لكن سأبقى على احترمي لبلدي حتى لو ان ابناء بلدي مجحفون بحق اليد العاملة اللبنانية، في قلوب اللبنانيين ضغينة تجاه السوريين والإزدواجية في المعايير أن جل اصحاب المصالح يفضلون العامل السوري على اللبناني.. بكفي نق».

لا يوجد للآن أي دراسة رسمية عن التحول “الإقتصادي الإجتماعي” الذي تشهده الضاحية الجنوبية، ولكن الأيام المقبلة ستبرز نقاط قوة ونقاط ضعف هذه المنطقة.

وفي تعليق على هذه المسألة تقول فرح نصرالله وهي من سكان حارة حريك أنه «إلى جانب إهمال الدولة لها، تمكن بعض أبنائها من خلق فرص عمل خاصة بهم، في الظروف الحياتية التي يحبون العيش فيها.

على الرغم من بروز التصدعات الإجتماعية والفروقات الطبقية داخلها إلا أنها تنازع للحصول على مكان لها في الإقتصاد اللبناني. إن الضاحية الجنوبية تنهار ببعض جوانبها إلا انها تشهد تحولا اقتصاديا مهما وتختلف كلياً عن ضاحية ما قبل حرب تموز».

السابق
انتحاريون أربعة في لبنان!
التالي
بالفيديو.. أهالي الشبان المتهمين بالاغتصاب: أولادنا أبرياء.. ومن يعيد الأم المتوفاة!