حرب تموز: عيون في المربع الأمني

حرب تموز 2006 لبنان
في 12 تموز 2006، عمّ نبأ أسر الجنديين الاسرائيليين، وعمت معه الفرحة واطلاق المفرقعات النارية للاحتفال بنجاح عملية الاسر.

في مساء هذا اليوم، وقفت على شرفة منزلي المطل على المربع الامني، كان عنصراً من عناصر حزب الله يعلق الأعلام على رأس الابواب التي اعيد تجديدها. إعتقدت لفترة طويلة أن هذا المقاتل كان عالماً بكل مجريات الاحداث وقادراً على التنبؤ بالحرب فيما لو قدّر لها ان تقع، فهو يعلم متى ستحين الحرب، فلماذا ينشر الأعلام بكل هذا الهدوء إذا كان على معرفة تامة أن الحرب قادمة؟ ولكن لاحقا ادركت كم كنت على خطأ، فالمقاتلات الإسرائيلية أغارت بعد أيام على المربع الأمني وسحقته مع المبنى الذي كنت أقطنه بشكل كامل.

اقرأ أيضاً: 10 سنوات على حرب تموز: إسرائيل تريد بقاء سلاح حزب الله

إنتهى الرجل من عمله، وتمت إضاءة الأبواب بالمصابيح الخضراء. أنهى الحزب تجهيز المربع الأمني الجديد. تغيرت كل ملامح المربع الأمني. تجدّد المكان الذي يعقد به حزب الله لقاءاته وإجتماعته. تزينت أبوابه بأعلام سوداء مكتوب عليها بالخط الأحمر العريض «يا زهراء».

بدا للحظات أن كل شيء على ما يرام، وأنه في صباح اليوم التالي ستعود الامور إلى ما كانت عليه سابقاً. كان الجميع ينتظر قرار الإسرائيليين الذي سوف ينتهي كالعادة بامتصاص غضبهم من عملية الأسر أسوة بالعمليات السابقة التذكيرية التي كان يقوم بها حزب الله بعد تحرير عام 2000.

أعلن تلفزيون المنار التابع لحزب الله عن مؤتمر سيتحدث به السيد حسن نصرالله. قبل ساعة من المؤتمر أطلقت الإذاعة الثانية بيانا تتحدث فيه عن إجتماع الحكومة العسكرية المصغرة للرد على عملية الحزب. إنتشرت الإشاعات بشكل سريع عن قرار أولمرت تلقين اللبنانيين درسا. وعندما يهدد الإسرائيليون يصفق لهم كل العالم “المتقدم” متأملين الأساليب التي سينفذون بها وعودهم. وألقى السيد نصرالله بعد التهديد الإسرائيلي مؤتمرا صحفياً لمدة ساعة ونصف.

حرب تموز

لم أشعر بالطمأنينة المفترضة بعد ظهور السيد نصرالله بالمؤتمر. قال نصرالله أن الشائعات تتخذ منحى خطيراً والحديث عن نزوح اهالي القرى الحدودية مجرد وهم وتهويل على اللبنانيين، فسكان الشريط الحدودي صامدون وصابرون بعكس ما يشاع إعلامياً.

غير انه لم يمض يومان على بداية العمليات العسكرية الاسرائيلية حتى نزح اغلب سكان الجنوب من بيوتهم، وتبعهم أهل الضاحية الجنوبية إلى الامكنة الاكثر أمناً بعد بدء الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على هاتين المنطقتين.

13 تموز 2006، إستيقظت باكراً جداً، كان أبي متسمراً امام شاشة تلفزيون المستقبل. الشريط الإخباري يتحرك بسرعة وينقل اللبنانيون من نبئ إلى أخر. الأخبار تقول أن خزانات الوقود في مطار بيروت قد تعرضت للقصف، وأن الطائرات الحربية الإسرائيلية وجهت صواريخها على منزل في بلدة بيفلاي الجنوبية.

ما زلت أذكر صورة الطفلة التي إنقسم جسدها إلى قسمين. حملها أبوها وقال «هذه هديتي إلى مجلس الأمن وكل العالم».

ماذا يريد العالم أن يسمع منّا؟ أصرت إسرائيل منذ الضربة الأولى على رحلة البحث عن أهداف تابعة لحزب الله، وخلال رحلتها دمرت عشرات الاف الوحدات السكنية المدنية في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي القرى الجنوبية الحدودية. كان على اللبنانيين الهرب من الأماكن الوارد ان يكون بداخلها حزب الله إلا أن حزب الله ليس أفراداً أو مجموعات صغيرة بقدر ما هو حالة إجتماعية تغلغلت بوجدان عدد مهم من اللبنانيين.

اقرأ أيضاً: تموز 2006: آخر حروبنا العمومية

أثير الكثير من التساؤلات عن توقيت العملية التي قام بها حزب الله ومكان حصولها. لماذا لم يقم الحزب بتنفيذ عملية الخطف في مزارع شبعا المحتلة ولماذا إختار اجتياز الخط الازرق مقابل بلدة عيتا الشعب لتنفيذ عمليته… لا يزال الوقت مبكراً للإجابة عن هذا السؤال الكبير.

السابق
ديك الحج سعد في حرب تموز
التالي
فرنسا أعلنت عن إغلاق كل بعثاتها الدبلوماسية بتركيا لأسباب أمنية