لبنان عبد الله الصغير!

الياس الديري

الحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا واضحة المعالم على الأقل، ولا تحتاج إلى محلّلين وخبراء وإن كانت غامضة الأهداف مثل نهاياتها. وقد “تبلع يدها” وتشدُّ الى لائحتها المزيد من الدول في المنطقة. وعلى الإيقاع ذاته. وفي سبيل أهداف ونتائج شديدة الإبهام والغموض.
هذه التوطئة الحربجيَّة استندنا إليها في نظرتنا إلى حروب لبنان، التي مهَّدت لها وأطلقتها بوسطة عين الرمانة. ثم ما حصل وصار وأبقى هذا اللبنان واقفاً عند الهوة ذاتها وعلى رِجْلٍ واحدة.
على عكس لبنان وحروبه “الصامتة” في هذه المرحلة، ومنذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان الذي أُقفل القصر الجمهوري بعد مغادرته إيّاه. ولا يزال حتى اللحظة، كما لو أن الكامنين خلف الفراغ الرئاسي يضمرون أمراً مريباً، أو يعدّون لخطَّة “بديلة” من ذلك اللبنان الذي أُعطي حاكموه مجده، “وعرشه”، وسلطاته. لكنهم فعلوا فيه ما فعله عبد الله الصغير بعد ضياع غرناطة آخر معالم الأندلس.
وطأة الخسارة الفادحة والهزيمة التاريخيّة دفعت دموع عبد الله إلى الانهمار كمطر غيمة عابرة. فقالت له أمه الأميرة عائشة: إبكِ كالنساء مُلكاً مُضَاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.

اقرا ايضًا: دعوة الملك سلمان للحريري…هل وصلت رسالة المشنوق؟‏
تماماً كما يحصل اليوم مع أمثال عبد الله الصغير الذين لم يبكوا بعد، على رغم أنهم ضيَّعوا بلداً منارة يشعُّ ازدهاراً ونجاحاً على الشرق والغرب، ولم يحسنوا قيادته التي أُعطيت لهم بلا مقابل، ولم يحافظوا عليه مثل الرجال، ومثل القادة الذين يتقنون فنون القيادة والمحافظة على الأوطان، عوض التلهّي والانهماك في “صيد” المكاسب والمسالب، وتسخير الدولة والمؤسَّسات لخدمة المصالح الشخصانيّة ورغبات الأقربين…
وعلى غرار ما يحدث ويتكرَّر في هذه الأيام ومنذ ضياع “غرناطتنا” نتيجة انغماس امرائها الصغار في مطاردة المراتب ومصادرة الأبقار الحلوب والدجاجات التي تبيض ذهباً. عدا المراتب والمناصب.
أصدق وصف ينطبق على لبنان في وضعه الراهن هو وصف اليتيم. وأبلغ ما يُقال في المتصارعين والمتهافتين على “اقتناء” اليتيم من طريق معاركهم المتواصلة أنها محاولات حلب آخر النقاط المتبقية في ضرع تلك البقرة التي قال عنها الرئيس الياس الهراوي على مسمع من المستقتلين والمتسابقين “إن ضرعها قد جفّ”.
وبعدما عبّر الرئيس تمّام سلام عن قرفه واشمئزازه مما يجري من فساد وفضائح، اعترف باضطراره إلى الاستمرار حرصاً على ما تبقَّى من النظام والدستور والمؤسَّسات والبلد.

(النهار)

السابق
طهران: إسرائيل ستفاوض حزب الله
التالي
هل تحل اللحظة الملكية أزمة الحريري؟