«رسالة فردان» إلى واشنطن

مذهلٌ كيف أن لحظات قليلة جداً فصلت بين الانفجار في فردان وبين ادراك مغزيَيه: الأقرب وهو تهديد القطاع المصرفي على خلفية “انصياعه” للعقوبات الاميركية، والأبعد وهو استهداف النظام اللبناني لا لتغييره بل لـ “قتله”. اذ لم يبقَ من الـ “لبنان” القابل للعيش سوى هذا القطاع، وسيكون ضربه بمثابة رصاصة الرحمة على بلد مَدين ومؤسساته معطّلة ومتهالكة.

إنه “مساس بالأمن القومي”، وفقاً لتحذير رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، لكن العتب على مَن يسمع، ويعي، ليرعوي. والهدف “زعزعة الاستقرار الاقتصادي”، وفقاً لإنذار جمعية المصارف. العتب أيضاً على مَن أزال من قاموسه مفاهيم “الاستقرار” و”السلم الأهلي” ومكانة الدولة. المفارقة أن انفجاراً من دون ضحايا، في لبنان المتعايش مع الخطر، قد يكون إرهاصاً لـ “فتنة” بكثير من الضحايا، فمَن لديه مصلحة فيها؟
هرع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط الى توجيه الأنظار نحو اسرائيل كطرف غير مستبعد وراء الانفجار يريد استغلال مأزق “حزب الله” مع العقوبات وتهديداته المبطّنة للمصارف. قال جنبلاط إن اسرائيل هي “المستفيد الأول من تدمير الاقتصاد اللبناني”، أما بري فاتّهم أصحاب “المخططات المشبوهة التي استهدفت وتستهدف حاضر لبنان ومستقبله وصيغته الفريدة”. والمؤكّد أن الرجلين يسعيان الى التهدئة وضبط النفس والمعالجة العقلانية للمشكلة، فاسرائيل متهمٌ مداوم وغير مستبعد، لكن الرأي العام اللبناني فهم “رسالة” الانفجار ولم يستبعد اتهام الجهة التي باتت متضرّرة من التدابير القسرية التي اضطر لها القطاع المصرفي.

اقرا ايضًا: بعد تفجير فردان: هل تخضع المصارف للتهديدات ام للعقوبات؟!
وعلى رغم أن رئيس المجلس كان بالغ الوضوح في رفض اتهام “حزب الله”، إلا أن حديثه عمّن يستهدف الحاضر والمستقبل و”الصيغة الفريدة” بات ينطبق أيضاً على هذا “الحزب” انطباقه على اسرائيل. ليس أدلّ الى ذلك من الوقائع، ففي أسوأ الظروف لم تستطع اسرائيل تعطيل الدولة أو زرع هذا الشرخ الانقسامي المروّع بين اللبنانيين. وفيما كان رئيس الوزراء يشير الى خطر على “الأمن القومي” كان “حزب الله” يحشد المزيد من المقاتلين لحاجة ايران اليهم في معارك مقبلة سواء في الزبداني ومحيطها أو في الرقة ودير الزور.
استهلك “الحزب” الكثير من الذرائع لتبرير تورّطه في سوريا كما في العراق واليمن وغيرهما، ولم يبال بدماء أبناء طائفته ولا برأي لبنانيين كثيرين رفضوا هذا القتال واعتبروه خطأً تاريخياً احتجّوا عليه لأنه يحمّل البلد تبعات مستقبلية كارثية. وها هو خروج “الحزب” الى ما وراء الحدود قد وضعه في نطاق اميركا وعقوباتها ويريد الآن من القطاع المصرفي أن ينتظم في “خط المقاومة والممانعة” أو ينتقم منه، بل من لبنان واللبنانيين. اذا كان انفجار فردان اسرائيلياً فإنه دفع “الحزب” الى مزيد من الخطأ، واذا كان محلياً فإنه “رسالة” من “الحزب” الى واشنطن لإلغاء العقوبات وإلا فإن انفجارات اخرى ستتبع.

(النهار)

السابق
اسرار الصحف المحلية الصادرة ليوم الاربعاء الواقع في 15 حزيران 2016
التالي
إلى أين يأخذ «حزب الله» لبنان؟