كيف يردّ «حزب الله»على من يحمّلونه مسؤولية «قتل الاعتدال السنّي وفتح الأبواب أمام التشدد»؟

عندما برزت قبل اعوام الى الضوء ظاهرة الشيخ احمد الاسير وشرع انصاره في قطع الطرق وافتعال المشاكل مع العابرين الى الجنوب او العائدين منه واطلاق صيحات المواجهة، بادر مسؤول امني رسمي رفيع الى طلب اللقاء بأحد رموز “تيار المستقبل” في عاصمة الجنوب وأثار معه مخاطر السكوت عما يحصل على الارض وضرورة كبح جماح هذا المحتل لقلب صيدا والحد من اساءاته المتكررة والمفضية ولا ريب الى فتنة لن تبقي ولن تذر. وكان جواب هذا الرمز المعروف بتعقّله :”انهم لا يريدون التعامل معنا، فهذا بديلنا وليتحملوا النتائج والتبعات”. فخرج ذاك المسؤول من اللقاء وهو يردد بينه وبين نفسه: “انه الشر المستطير الآتي لا محالة”.

هذه الرواية استعادها البعض قبل ايام قليلة بعد التداعيات والتطورات التي فرضت نفسها في اعقاب صعود نجم الوزير اشرف ريفي في طرابلس صاحب الخطاب المعروف بتشدده، وقد شفعت بكلام مرادف فحواه ان “حزب الله” ومَن والاه سياسيا يتحمل مسؤولية ما حل وحصل، وانه استتباعا يتنكب تبعة “قتل الاعتدال السني” المتجسد اكثر ما يكون في “تيار المستقبل” وفتح الساحات امام التشدد ليأخذ مكانه من الان فصاعدا مما يؤذن بمرحلة جديدة من التوتر.
ويعطي اصحاب هذه الرؤية وقائع تسند ما يذهبون اليه من قبيل ان الحزب تعامل بسلبية او بعدم اكتراث مع كل الخطوات التي بادر اليها “التيار الازرق” في سبيل تهدئة الاوضاع توطئة لانجاز تسوية داخلية تنطوي على ديمومة. وبمعنى اوضح ان الحزب قابل بسلبية مطلقة كل الخطوات التي عُدّت من طبيعة تنازلية وكان آخرها تسمية الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية مرشحا للرئاسة الاولى لقفل باب الفراغ الرئاسي، مما فتح باب التصدع داخل قواعد “التيار” فكان ذلك بمثابة قنطرة عبور للرموز المتشددة فيه كمثل ظاهرة الوزير ريفي.
وبالطبع تناهى الى علم “حزب الله” ايضا مضمون رد الرئيس الحريري غير المباشر على دعوة النائب وليد جنبلاط له لتغيير خطابه المعروف من الحزب ومن الشيعة عموما، واشارته (الحريري) الى مسألة دور الحزب في سوريا واليمن (نسي او تناسى العراق والبحرين).
دوائر القرار والتحليل في الحزب تدرج هذه المناخات في دائرة يراد منها بلوغ اهداف عدة من جانب صنّاعها ومروّجيها ابرزها:
– حرف الانظار عن الاسباب والعوامل الحقيقية والتحولات العميقة التي تضافرت كلها لتفضي الى إلحاق هزيمة سياسية بـ “تيار المستقبل”، وبمعنى آخر التهرب المتعمد من المسؤولية وتجهيل المسؤولين الحقيقيين عوض اجراء عملية نقد ذاتي.
– امر تحميل الحزب جانبا من المسؤولية عما حل بـ “التيار الازرق” لم يكن جديدا او مفاجئا بالنسبة الى الدوائر عينها، اذ سبق ان حُمِّل الحزب جزءا من مسؤولية صعود “تيار المستقبل” ونجاحاته السياسية على قاعدة انه لولا وجود الحزب ولولا سلاحه واداؤه وارتباطاته الخارجية لما اخذ “التيار” هذا الحيز من الانتشار كونه رد فعل على افعال الحزب. الان ومع ظهور بوادر الازمة في داخل التيار عينه مما يشي بتراجعه، ثمة من ينبري ليحمل الحزب مسؤولية ما يسميه “قتل الاعتدال السني” تماما كما يحمل الحزب مسؤولية الفراغ الرئاسي والازمات الاخرى المتراكمة.
ليست الدوائر اياها في وارد النزول الى ساحة جدال يبدو سلفا انه عقيم، وليس الحزب في صدد دفع التهمة عن نفسه خصوصا انه ليس خافيا على الباحثين الموضوعيين ان الحزب كان اول من بادر الى مد اليد لـ “التيار الازرق” للخروج من ازمة الانقسام العمودي في اعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وتحديدا من خلال انخراطه آنذاك في ما صار يعرف بـ “الحلف الرباعي” بشروط عدّت يومها مجحفة بحقه وحق حلفائه. ومعروف ايضا من سارع بعد وقت قصير الى التهرب من موجبات هذا الحلف. وليس خافيا ان الحزب هو في مقدم الذين ساهموا في اعادة “المستقبل” الى جنة الحكم من خلال ارتضائه المشاركة في التسوية السياسية التي قادت الى تسمية الرئيس تمام سلام رئيسا لحكومة “المصلحة الوطنية”.

 

اقرا ايضًا: هل قرّر الحريري والمشنوق الردّ على الهجوم والتضييق السعودي؟
لكن اللافت للحزب هو هذا التهرب الحقيقي من جانب “التيار” من مسؤولية البحث الجدي عن الاسباب الحقيقية التي قادته الى شرنقة الازمة، واستعداد جمهوره للسير خلف كل ظواهر التمرد على قيادته وتوجهاته وادائه. في موازاة ذلك تجد الدوائر عينها نفسها معنية بالاضاءة على امر له صلة وجوهره ان يصل بعض من هم في قيادة “التيار” الى قناعة لطالما انكروها وحاولوا تنحيتها وفحواها ان المسؤولية الاولى عن سياق هذه التداعيات والخلافات المتتالية الناجمة عنها والتي توجتها الانتخابات البلدية في عاصمة الشمال، تقع على عاتق الذين اخذوا جمهور “المستقبل” الى شعارات بالغة التطرف ضد الحزب وما يمثل وضد حلفائه الى درجة شيطنتهم ، فاصطدموا اخيرا بمشكلة العودة عن هذا الامر واضطرار “التيار” في لحظة معينة الى تسمية النائب فرنجية وهو من صلب فريق 8 آذار رئيسا للبلاد، اضافة الى تحولات اخرى والتخلي عن رهانات وسقوط اخرى تلقائيا، وهو ما اوقع جمهور “التيار الازرق” في حال من الاحباط والضياع قبل التمرد والعصيان.
وتتهم الدوائر عينها قيادة “التيار” بأنها تحصد الثمار المُرة لكل ادائها السابق، فهي التي احرقت كل مراكب العودة وهي في رحلة الذهاب نحو سياسة التهجم على الحزب وحلفائه وعدم “ترك مطرح للصلح”. في حين ان الحزب كان يرفع دوما شعار ان الآخر وإن كان خصما في السياسة الا انه شريك في مساحة الوطن وان ساعة الجلوس واياه حول طاولة واحدة والتشارك معه في تجربة سياسية واحدة آتية ولا ريب.
وفي رأي الدوائر عينها ان “تيار المستقبل” ظن استهلالا انه بالامكان تأبيد امساكه بمقاليد الحكم، ثم خال ان بالامكان استتباع الآخر الخصم او الغاءه، مما سمح ببلوغ الوضع الدرجة التي بلغها، علما ان الدوائر عينها لم تجد يوما ما يمكن وصفه بالاعتدال في العلاقة مع “المستقبل”.

(النهار)

السابق
الفلوجة.. الحل ليس عسكرًيا فقط
التالي
اوباما هنأ كلينتون على فوزها في الانتخابات التمهيدية للديموقراطيين