السوريات لسن في مجلس الشعب.. إنهن يجمعن الجثث

يحاول نظام الرئيس السوري بشار الأسد بذل ما بوسعه لتجميل صورته أمام المجتمع الدولي، مستغلاً صورة قبيحة لبعض خصومه، وانكفاء الجيدين منهم مقابل اعتلاء أصحاب الخطاب التكفيري-الرجعي، للمنابر والشاشات والمساحات التي انسحبت منها دولة النظام.

آخر الصور التي التقطها النظام كانت لفوز عضو مجلس الشعب هدية خلف عباس، المنتخبة عن محافظة ديرالزور، بمنصب رئيس البرلمان السوري، ولتولي المخرج نجدة أنزور منصب النائب لرئيس المجلس.

النظام فاخر بهذا الإنجاز، بالقول إنه يتحقق لأول مرة في تاريخ سوريا، وقد سبق له أن تفاخر بالانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز بها الأسد، وقال أيضاً إنها للمرة الأولى في تاريخ سوريا تجري عن طريق الانتخاب.

هذا التفاخر ينطلق من السردية البعثية للتاريخ السوري، وهي ذاتها التي سمحت للأسد الابن، الذي حفظها عندما كان يكبر داخل أروقة القصر الرئاسي على سفح قاسيون المطلّ على دمشق، أن يتابع كتابتها بقلم أبيه عندما توفي، وأن يفرح برئاسة لم تكن خارج قبضة العائلة يوماً.

تقدم سردية البعث فوز الأسد بالانتخابات الرئاسية، وهدية عباس بمنصب رئيس مجلس الشعب على أنها انتصار وإنجاز، يستحقان أن تصفق واشنطن له، وأن ينحني أردوغان احتراماً، لكنها في الوقت ذاته تتغاضى عن حجم الفبركة فيها، ولا ترى بؤس سوريا في أكثر من 50 عاماً من حكم البعث، لم تصل فيها امرأة إلى رئاسة مجلس الشعب، أو رئيساً إلى منصبه عن طريق الانتخاب.

إقرأ أيضًا: هادي العبدالله: إدلب يجري تدميرها والتضامن العربي فايسبوكي
لدى النظام احتفال كبير بهذا الانجاز، استدعى خطاباً من الأسد شخصياً في البرلمان. لكن هذا المشهد يبدو مألوفاً، أو على الأقل، استمراراً لما حدث عندما ألقى الأسد خطاب فوزه بالانتخابات في رمضان 2014، حيث كان النظام حريصاً وقتها على إظهار تحضّره ومدنيته بتخصيص المقاعد الأولى للسيدات والطلاب، ونجوم الصف الأول من الفنانين السوريين، ودفع برجال الدين إلى زاوية متطرفة على يمين القاعة التي ألقى الأسد خطابه فيها.

بين خطاب الأسد عام 2014، وخطابه في 2016، يبدو أن النظام أنجز مرحلته الانتقالية الخاصة به، وبرهن على تحضّره بتولية امرأة لرئاسة مجلس الشعب، ومخرج درامي نائباً لها. ولعل وصول هدية يوسف ونجدة أنزور إلى منصبيهما بالتزكية، برهان على أن ما حصل لا يعدو عن كونه مشهداً في موسم الدراما السورية.

إقرأ أيضًا: كسر الحصار عن بلدتَيْ نبل والزهراء في ريف حلب
الحالة تاريخية فعلاً بالنسبة إلى النظام، فهو جمّل علاقته بالمرأة مرتين، الأولى في مجلس الشعب، والثانية في الجزء الثامن من باب الحارة، حيث يُقال إن زوجة أبوعصام، ستصبح عكيداً لحارة الضبع! لكن المرأة السورية ليست ما يحاول النظام البرهان عليه في الدراما، أو السياسة. هي في المعتقلات، ومخيمات اللجوء، وفردٌ من مجموعة كبيرة على متن قارب في البحر، تهرب بأولادها بحثاً عن الأمان، وأولئك لن تنتصر لهن الرئيسة الجديدة لمجلس الشعب.

تشبه سوريا اليوم حيّاً كبيراً تقطنه مجموعة من البشر، دمّرت الحرب نوافذ أبنيته، ويُسمع من الخارج كل ما يدور من أحاديث فيه، ويرى الجميع في هذه النافذة عائلة تجمع الضرائب، وفي تلك عائلة حوّلت ذوي الشأن الأقل إلى أفراد في قبيلة يستخدم رجالها “فايسبوك”، و”تويتر”، ويحظرون على المرأة كشف وجهها.. وفي نافذة أخرى عائلة تجمع الجثث ولا تعرف اسم رئيس مجلس الشعب.

(المدن)

السابق
لو عاد الصدر من سجنه إلينا لقال: وا خجلي من أمتي!!
التالي
وسائر البقايا