مقتل «اللغز» مصطفى بدر الدين في سوريا: إنجاز أمني- عسكري لمنفذه

أيّ رسائل حملتها عملية استهداف القيادي العسكري في «حزب الله» مصطفى بدر الدين في سوريا؟
مردّ السؤال يعود إلى طبيعة العملية والجهات التي تقف وراءها وتوقيتها. فهي تختلف في استهدافها عن عمليتي تصفية كل من قيادِيَيه سمير القنطار وجهاد مغنية، اللتين اندرجتا في إطار الحرب المفتوحة مع إسرائيل، إذ أنهما كانا معنيَين بالعمل في منطقة الجنوب السوري المتاخمة للحدود مع إسرائيل، لتعزيز أوراق القوة بيد اللاعب الإيراني على غرار ما هو حاصل في الجنوب اللبناني.
فعملية استهداف بدر الدين، المسؤول عن عمليات الحزب في دمشق وجوار مرقد السيدة زينب، جرت في المنطقة الخاضعة لنفوذ الحزب وقوات النظام السوري. وفي المعلومات التي حصلت عليها «القدس العربي»، فإن مقتل بدر الدين جرى ليل الخميس في منزل يستخدمه الحزب يقع قرب طريق المطار، معروف من الحلقة المعنية بإدارة عمليات الحزب. وكان انتهى لتوّه من اجتماع أمني عُقد فيه، بعدما كان قد أدّى الصلاة قرابة الثامنة مساء في السيدة زينب برفقة قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني.
وبدا واضحاً أن الحزب تعامل مع إعلان مقتل بدر الدين بطريقة مختلفة، إذ أنه لم يُمهّد لهذا الإعلان بأجواء نفسية ضاغطة وبتسريبات تسبق الإعلان، على جَري ما كان يحصل حين يتعلق الأمر باستهداف إسرائيلي لأحد قيادييه. بل أصدر بيان نعي من دون مقدمات، استهلّه بما كان قاله بدر الدين من أنه «لن أعود من سوريا إلا شهيداً أو حاملاً راية النصر». وهو ما أعطى مؤشراً باكراً على أن مقتل بدر الدين يَندرج في سياقات مختلفة ترتبط بدور الحزب في قتاله في سوريا.
كيف قُتل بدر الدين؟ في الرواية الرسمية أن بدر الدين قُتل في قصف مدفعي قامت به الجماعات الإرهابية المتواجدة في تلك المنطقة، واستهدف المنزل الذي يبعد كيلومترات معدودة عن الغوطة الواقعة تحت سيطرة قوى المعارضة. واستخدام الحزب لتعبير الجماعات الإرهابية يشمل في واقع الحال كل قوى المعارضة السورية، وليس فقط التنظيمات المصنّفة إرهابية.
رواية الحزب تقول أن القصف استهدف مَركزاً، ما يعني أنه مركز معروف، ويمكن تالياً استهدافه مدفعياً بالحسابات العسكرية، ما يطرح سؤالاً عن الاحتياطات التي يتّخذها قائد عسكري رفيع مثل بدر الدين الذي يُشكّل لغزاً لكثيرين، والمطلوب من جهات عدّة ، فيما المعلومات تقول لـ «القدس العربي» أن العملية استهدفت منزلاً يستخدمه الحزب، ومعروف من قلّة، بدليل أن اجتماعاً أمنياً قد عُقد فيه قبل أن يُقتل بانفجار. انفجار إذا تم التسليم جدلاً بأنه قصف مدفعي، فمن غير المفهوم كيف أن بدر الدين وحده هو الذي قُتل من دون أن يُصيبه أي تشوّه، فيما أصيب مَن كان حاضراً بجروح طفيفة؟ فالكلام عن مقتله بفعل عصف الانفجار مسألة تحمل في طياتها أسئلة عن طبيعة الانفجار.
من السذاجة اعتبار أن مقتل بدر الدين قد حصل بالصدفة، فذلك يطرح أسئلة عن مستوى احترافية «حزب الله». الأكيد أن اختراقاً أمنياً قد حصل آل إلى مقتل بدر الدين. مقتله شكّل، من دون شك، ضربة معنوية للحزب ومقاتليه وجمهوره، لكنها ليست بالضربة القاتلة التي لا يستطيع امتصاصها. فسبق أن قُتل له «القائد الأسطورة» لديهم عماد مغنية. إنها منظومة قادرة على صنع كوادر وأجيال خدمة لمعركتها وأهدافها.
السؤال يكمن في ماهية الرسالة وتوقيتها في اللحظة السياسية التي تشهدها سوريا اليوم. إنها لحظة لا تشهد فقط صراعاً بين المحور الروسي ــ الإيراني الداعم للنظام وبين المحور الأمريكي ــ الإسلامي الداعم للمعارضة، بل تشهد «شدّ حبال» داخل كل محور أيضاً.

إقرأ أيضًا:  وقائع اغتيال مصطفى بدر الدين.. وكيف كانت علاقته بـ«حزب الله»؟ وبالسيد نصرلله؟
الأكيد أن اللاعبَين الروسي والأمريكي فرضا وقف الأعمال العدائية، ورسما السقوف المسموح اللعب تحتها. ولكن في مرحلة تقطيع الوقت الممتدة حتى الإتيان برئيس جديد إلى البيت الأبيض في نهاية السنة، فإن ثمّة محاولة واضحة من قبل إيران وأذرعتها العسكرية والنظام السوري في تحقيق اختراقات كبرى تُعيد معها خلط الأوراق. وعينهم في ذلك على حلب، حيث سيطرة النظام وحلفائه على حلب، وقطع الشريان الحيوي بينها وبين تركيا يُنهي، من وجهة نظرهم، المعركة في سوريا. لكن هذا القرار لا يقف عند حدود حسابات إيران وحزب الله والنظام، وإلا لبس لبوس محاربة التنظيمات المتطرفة الإرهابية غير المشمولة في الهدنة.
أحد المحللين اللصيقين بـ «حزب الله» أوضح أنه عقب معركة حلب، تلقى كل من إيران وحزب الله والأسد رسائل دموية. إيران من خلال الضربة التي تلقتها في خان طومان، في وقت كان الروس في قاعدة حميميم ينقلون إلى الإيرانيين تطمينات من الأمريكيين، من أن ما يحصل على الجبهة المقابلة هي تعــــزيزات عسكرية وليست تحضيرات «لهجوم ما» ، و «حزب الله» في «تل العيس»، والأسد في الهجوم على قرية الزارة العلوية في ريف حماة الجنوبي.

إقرأ أيضًا: كيف تلقت مواقع التواصل الاجتماعي خبر اغتيال مصطفى بدر الدين؟
رسائل دامية وحرب صامتة لا يمكن فهمها سوى في إطار سياسة تقليم الأظافر للحلفاء وللخصوم من قبل اللاعبَين الكبار اللذين يريدان أن يُفهما من يعنيه الأمر أنهما وحدهما يقرران متى تُحرّك الحجارة على رقعة الشطرنج.
في معطيات طهران ودمشق وحارة حريك أن خطاً أحمر روسيا – أمريكياً رُسم في ما خص معركة حلب ومحاولات استعادتها من قبل النظام أقله في الوقت الراهن. فهل كان في وارد حلفاء روسيا أن يلتزموا؟
إستهداف بدر الدين رسالة إضافية، وإن كان إصطياد الرجل يشكل إنتصاراً استخبارياً وأمنياً وعسكرياً للجهة التي نفذته. ولا شك أن «حزب الله» سيعيد تقييم مجمل قراءته في ضوء رسم الصورة الكاملة للمرامي والأهداف والرسائل المشفرة والواضحة ومرسليها كافة.. إلا أن السؤال المكمل يكمن في كيف سيعامل «حزب الله» و»إيران» الحليف الروسي ومن بعده الحليف- الخصم الأمريكي، لاسيما أن ثمة استغراباً في أن يصدر موقف عن البيت الأبيض يعلن فيه أنه لم تتواجد أي طائرات للتحالف تحلق فوق المنطقة التي قتل فيها بدر الدين. توضيح لم تفهم أسبابه ومراميه!.

(القدس)

السابق
الفارق بين لائحتي «جونية التجدد» و «كرامة جونية»
التالي
«داعش»: إحراق 4 مروحيات حربية روسية شرقي حمص