ذو الفقار: كبير الاشباح

عالم كامل مفلق وسري ولا يمكن النظر اليه يعيش فيه مئات من كوادر حزب الله واختصاصييه، وعلى رأس قيادتهم اسماء وهمية، لا يلتقونها الا نادرا، ولا يعرفون حتى من هو من تحديدا، مصطفى بدر الدين، ذو الفقار، سامي عيسى، هو احد اكبر هؤلاء القادة، الذين يتحركون دون بصمات، ويقودون اجهزة من مئات الكوادر، تحت اشرافهم الاف من المقاتلين والمدنيين الموظفين في هيكلية ضخمة، ومئات الالاف من التابعين والمناصرين والمؤيدين.

“يقتل مصطفى بدر الدين كما تشرب انت الماء” يقول احد الشبان الذين لعبوا كرة القدم في السبعينيات مع مصطفى بدر الدين وعماد مغنية، حين بدأ هذان الشابان في العمل في اطر منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة “امن الـ ١٧”. لاحقا اختفت اثار الشابين بدر الدين ومغنية، وتحولوا مع نهاية الاجتياح الاسرائيلي للبنان العام ١٩٨٢ الى العمل السري، تفجيرات هائلة باشراف الحرس الثوري الايراني، عمليات خطف طائرات، اغتيالات خارجية، قيادة عمليات معقدة ومكلفة حول العالم، مطابع لاموال مزورة، استيراد للاسحلة من والى بقاع مختلفة من الارض، ادخال السلاح الى مناطق سيطرة ياسر عرفات، تعاون مع جهات يفترض الا تعاون بينها.

“نحن اشباح، وعالمنا كله عالم من الاشباح التي لا تدرك” يقول احد ضباط امن حزب الله من الوحدات التخصصية التي لا يعلم بوجودها احد من العامة.

عالم كامل من الاشباح والاعمال المستحيلة كان يلف حول الرجلين الذين تصاهرا، حيث اصبحت شقيقة بدر الدين اولى زوجات عماد مغنية.

عالم كامل من الاشباح يلف بدر الدين، او ذو الفقار، او سامي، وهو المختص في العمل الخارجي، عالم كان فيه مصطفى بدر الدين شبه غائب عن الحياة، لا اوراق ثبوتية تستصدر باسمه، ولا جواز سفر، ولا اموال في المصارف، ولا سيارات تشترى او تباع له.

سامي عيسى، احد الوجوه التي يرتديها مصطفى بدر الدين، معروف عنه بحبه للبذخ والنساء والسهر، وكما اعلنت التحقيقات الدولية حين اتهمته باغتيال رفيق الحريري، فهو صاحب شركة مجوهرات، احد فروعها في شارع مارالياس في بيروت، وكان يتردد كطالب على احدى الجامعات الخاصة في العاصمة، يمتلك كما هو معروف ياخت وشاليه وشققا، ولكن اي منها ليست باسمه (سامي عيسى) ولا حتى سيارته المارسيدس الفاخرة.

ذو الفقار، كان الاسم الذي لا يجروء ضباط امن حزب الله الى اي وحدة انتموا على لفظه بصوت عال، قادة حزب الله العراق، الذين يعلمون ان قائدهم الاعلى هو ذو الفقار لم يشيروا اليه مرة بالاسم، لا ذو الفقار، ولا مصطفى ولا السيد بدر الدين، جمعهم يشيرون اليه بكلمة “هو”. وكان يكفي ان تأتي من قبله “هو” حتى تفتح لك ابواب الحزب العراقي المغلقة.

من العراق الى الكويت الى اي دولة قد تخطر على بال، قطر، السعودية، الامارات، مصر، ليتوانيا، قبرص، اليونان، روسيا، الولايات المتحدة، البرازيل، غانا، اوغندا، او اي مكان اخر في الدنيا، يمر طيف ذو الفقار، الرجل الغامض، الذي لا تدرك اثاره، ضباطه واختصاصيوه هنا وهناك يعملون بصمت، عشرات من المشاريع الامنية تقدم اليه كل شهر، تصله عبر شبكة الانترانت الداخلية لاجهزة امن حزب الله، المفصولة عن كل العالم الخارجي، بضغط زر الارسال يعلم الضباط الامنيون انهم ارسلوا الى ذو الفقار، ويراقبون الشاشة التي ستحمل لهم ولا شك جوابا خلال ساعات او ايام.

إقرأ أيضًا: هل كان السيد حسن يبكي بدر الدين؟

تغير القادة في حزب الله، تم انتخاب عباس الموسوي بدل صبحي الطفيلي، وحسن نصرالله مكان الموسوي بعد اغتياله، الا ان شبحي عماد مغنية ومصطفى بدر الدين لم يغادرا الدائرة الضيقة للقرار في الحزب، ومعهما طاقم تابع ومخلص لهما، كان هذا وحده كفيل بدفع بعض القياديين في الحزب الذين يعانون مرارة الفقر، ويعلمون حجم الاموال التي يتحكم بها الثنائي القيادي الى التعامل مع المخابرات الاميركية، عن سابق اصرار وتصميم بغية الانتقام لحياة قضوها في خدمة حزب لم يتكفل بسد احتياجاتهم، بينما اثرى قياديوه الاخرين وخاصة بدر الدين ومغنية، والعديد من القادة السياسيين بشكل يفوق الوصف.

حين اجتمعت الحلقة الضيقة لانتخاب امين عام للحزب بعد مقتل عباس الموسوي، دخل عماد مغنية، وتقدم من حسن نصرالله وقبل يده، كان هذا التصرف كافيا لايصال الرسالة، ومن يومها والى حاضرنا اصبح نصرالله امينا عاما للحزب، ويبدو انه سيبقى الى الابد.

مع مقتل عماد مغنية كانت القيادة الامنية والعسكرية ستذهب تلقائيا الى بدر الدين، الا ان تشابك مصالح ونزاعات داخلية، وتدخل من الحرس الثوري ادى في النهاية الى تجزئة الاجهزة وقيادتها، وفي تلك المرحلة كان هناك اتجاه يقول ان تجزءة قيادة هذه الاجهزة اضعف قيادة الحزب التكتيكية ميدانيا، في لبنان والعالم، ولكن لاحقا ومع تطور الامور المديدانية، وحسم الكثير من الصراعات الداخلية، وابعاد بدر الدين لطاقم كان اقرب الى مغنية، ودخول المنطقة في الثورات العربية، ودخول الحزب على خط قمع ثورة الشعب السوري، عادت القيادة الفعلية الى ايدي بدر الدين رويدا رويدا.

إقرأ أيضًا: كيف تلقت مواقع التواصل الاجتماعي خبر اغتيال مصطفى بدر الدين؟

اليوم لا يزال في جعبة حزب الله المزيد من الاشباح، اسماء قد تظهر على الاعلام، الا اننا لا نعلم اشكال اصحابها حاليا، يشاهد المراقبون والامنيون صورا لهؤلاء التقطت قبل عقود، ولكن ثمة صراع خفي يدور حول المعلومة الواحدة، المؤدية الى معرفة من هو هذا او ذاك من عالم اشباح حزب الله، وكيف يمكن الوصول اليه، بينما لا يزال الحزب يقتل في سوريا مدنيين، ويقمع ثورتها، يخوض ايضا في صراع امني، ومالي، وسياسي، مراكما الاعداء، ومكثفا الكراهية لكل ما ومن يحمل رايته.

فشل حزب الله تقنيا في حماية عالم اشباحه عدة مرات، ومع كل سقطة من سقطات الحزب الامنية تبدو مسألة اختراقه ومطاردته اسهل فاسهل، يتدهور الحزب بين القتل والفساد، من ضم المقاتلين بغض النظر عن القدرات والولاء، الى فساد مالي، الى ترهل وفساد اخلاقيين، وتدهور في مستوى العمل الامني، يظهر المتهم بقتل رفيق الحريري واغتيال وسام عيد ووسام الحسن كأخر الاشباح الذين كانوا يثيرون الخوف في ضباطهم وعناصرهم قبل اخصامهم.

اختفى شبح ذو الفقار، وتصاغر عالم اشباح حزب الله.

السابق
كيف قابل أنصار الحريري اغتيال بدرالدين
التالي
ندوة «شؤون جنوبية».. مجدلاني: لوضع برامج مشتركة بين المؤسسات الحكومية والدولية من أجل سياسة صحية سليمة