شراهة

كشفت الانتخابات البلدية رثاثة الحياة العامة في لبنان، ورثاثة القوى السياسية اللبنانية من دون استثناء.

في بيروت لائحة تضم تيار المستقبل وحركة أمل! السابع من أيار لم يكن درساً، وقتلاه الذين فاق عددهم المئة جرى نسيانهم.

في طرابلس تجري مفاوضات بين المستقبل ونجيب ميقاتي. القمصان السود الذين أطاحوا بسعد الحريري وجاءوا بميقاتي لا يبدو أنّهم أسّسوا لضغينة بين الرجلين.

وفي زحلة قرر كل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية خوض المعركة في وجه آل سكاف. وهنا كشفت الرغبة في ابتلاع العائلات قدرةً على تجاوز الضغائن المؤسَّسة على حروب ودماء.

إقرأ ايضًا: البلديات حتمًا هي البديل…

وفي هذه اللحظة يظهر شريط مسجّل للنائب في حزب الله حسين الحاج حسن يتلوا فيه تكليفاً حزبياً متعجرفاً يأمر فيه “المجاهدين” بأن يقترعوا للوائح الحزب بطلب من الأمين العام. المقترعون هنا “مجاهدون” وليسوا مواطنين، وهذه معادلة تختصر علاقة الحزب بالحياة العامة في لبنان.

ليست رثاثة القوى السياسية والحزبية والطائفية وحدها ما كشفته محطة الانتخابات، إنما شراهتها أيضاً، والشراهة تتكشّف أول ما تتكشّف في لحظة إفلاس المموّلين، ذاك أنها تجعل من الجبنة المحلية بديلاً محتملاً عن مصادر التمويل التقليدية المتداعية. والبلديات في هذه الحال بديل نموذجي.

سعد الحريري أتى بمرشّح لرئاسة بلدية بيروت من سوليدير، وحسين الحاج حسن تلى تكليفاً شرعياً لا يقبل النفي ولا التأويل، والأحزاب المسيحية تخوض المعركة في وجه آل سكاف على نحو سافر.

لا حاجة للتورية في لحظات الإفلاس. النوايا عارية من أي ادّعاء. نريد البلديات، ونريد أموالها، وعلى القواعد أن تستجيب. إنّها اللحظة التي نقول فيها لجماعاتنا إننا نريد أن نفترسكم، وما عليكم إلا أن تستجيبوا. بيروت هي سوليدير، والشيعة مجاهدون لا مواطنين، وكاثوليك زحلة موارنة سياسياً رغماً عنهم.

إقرأ أيضًا: السيد نصر الله: الجهاد المقدس بالبلدية.. تكليف شرعي!

لا مكان للتناقضات الكبرى في الانتخابات البلدية، على رغم أن من يخوضها هم القوى الكبرى نفسها، وهي تخوضها مؤتلفة.

في بيروت لا يتنافس المستقبل مع حركة أمل على نحو ما اقتتلا في 7 أيار. علماً أن التبعات البلدية لـ7 أيار، كبيرة وبيروت لم تعد نفسها بعد هذا التاريخ. وفي زحلة قرر المقتتلون أن معركتهم ليست مع بعضهم بعضاً هذه المرة إنما مع آل سكاف. لا شيء يجمع قواعد القوات والقواعد العونية في زحلة سوى الرغبة بالتهام زعامة المدينة.

ما يجري هو أحد أطوار نزع المضمون الاجتماعي عن الشأن العام، وإطلاق الغرائز بصفتها وسيلة البقاء. لا سبيل للبقاء إلا عبر افتراس الأضعف.

(ناو)

السابق
نديم قطيش يتضامن مع ديانا مقلد: القريع الحزبي بده يخبرنا عن الوفا
التالي
رولا يمّوت توضّح: الإعلان مفبركًا ولا أطلب فتيات للدعارة!‏