مخدرات الإدارة الأميركية حول ‫سوريا

علي حسين باكير

تقوم الإدارة الأميركية مؤخراً بالتعويض عن عدم رغبتها في بذل أي جهود دبلوماسية أو سياسية أو عسكرية حقيقية لمعالجة الوضع المتفاقم في سوريا بالاعتماد على أدوات رخوة أشبه ما تكون بالمسكنات الإعلامية التي يتم توجيهها للآخرين من أجل كسب المزيد من الوقت أو من أجل التضليل بهدف خلق انطباع خاطئ لديهم.

جميعنا يذكر جيداً كيف تم تسريب أخبار لوكالة بلومبرج نهاية العام 2015 نسبت إلى “مسؤولين أميركيين” تؤكد على بدء إيران بسحب قواتها من سوريا، والحقيقة أن ما حصل بعد ذلك هو العكس، إذ قامت إيران خلال العام 2016 بزيادة قواتها في سوريا وليس سحبها، لكن إدارة أوباما أرادت آنذاك أن تخلق انطباعاً خاطئا لدى حلفائها في المنطقة مفاده أن إيران تبدي تفاعلاً إيجابياً وأنه يجب ألا يتم تصعيد الأمر معها.

في مارس الماضي أعلنت موسكو عن بدء سحب قواتها من سوريا، فقامت الإدارة الأميركية باستغلال الموقف للترويج بأن هذه الخطوة هدفها الدفع بالعملية السياسية والضغط على الأسد، وذلك من أجل إقناع المعسكر الآخر (الحلفاء والمعارضة السورية) بأن موسكو تتخذ بعض الخطوات الإيجابية التي يجب أن تقابل بخطوات مماثلة. وقد تبين لاحقاً أن موسكو سحبت بعض القطع الحربية وأرسلت بدلاً عنها المزيد من الطائرات المروحية المقاتلة المتطورة بالإضافة إلى المزيد من القوات.

وبموازاة هذه الخطوات، كان يتم بين الفينة والأخرى تسريب معلومات غير صحيحة عن وجود خلاف روسي-إيراني حول مصير الأسد، وهو خلاف وهمي غير موجود بتاتا حتى هذه اللحظة، بل يمكن القول بثقة أن هناك تكاملاً وانسجاماً روسيا-إيرانيا على المستوى السياسي والعسكري وفي الموقف من الأسد حتى هذه اللحظة، مع الاعتراف بأن ما يريدانه من الدولة السورية قد يكون في بعض جوانبه مختلفا لكنه ليس متناقضا.

إقرأ أيضًا: عن الخطة (ب) غير الموجودة في سوريا

وبالرغم من معرفة الإدارة الأميركية بحقيقة ذلك، قام بعض المسؤولين فيها بالترويج خلال اجتماعاتهم مع المسؤولين في المنطقة قبل أيام قليلة من انطلاق الجولة الحالية من محادثات جنيف لوجود خلاف روسي-إيراني وبأنه من الأفضل الاستمرار في المحادثات لتعميق هذا الشرخ (غير الموجود)! وأن أميركا قامت بالضغط على موسكو لمناقشة العملية الانتقالية إلى جانب مناقشة موضوع الدستور.

كل هذه الفرضيات التي يتم الترويج لها من قبل إدارة أوباما كحقائق هي أوهام إعلامية للتسكين وإضاعة الوقت، وما يقال عن ضغط أميركي على روسيا غير صحيح، على الأقل حتى هذه اللحظة، ليس هذا فقط بل إن موسكو قامت علناً بتبني مواقف داعمة للأسد مؤخرا وبإجبار إدارة أوباما على تقديم المزيد من التنازلات فيما يخص الموقف من مصيره ومناقشة الدستور في الجولة الثانية من المفاوضات في جنيف.

إقرأ أيضًا: لماذا كشف نتنياهو عن غارات جيشه بسوريا؟إجابة أسرائيلية

الغريب أنك تستمع لكل هذا، فيما ينشط المسؤولون الأميركيون بالطلب من المعارضة وعدد من الدول الانفتاح على مناقشة الدستور رغم الجواب الصريح الذي تلقوه من المعارضة بالرفض، لكن ما نريد قوله هنا أن دور إدارة أوباما وصل إلى حد تسهيل مهمة موسكو والترويج بطريقة غير مباشرة لأطروحات الأسد!

(العرب القطرية)

السابق
الصحافة اللبنانية: إصلاح خطوط الوصل والاتصال
التالي
جنبلاط: اطردوا داخلية اللصوص من الهيكل