رواية «ألواح» لرشيد الضعيف… عن مشاعر مدعاةً للخجل!؟

صدرت للكاتب والرِّوائي اللبناني رشيد الضعيف (ترجمت أعماله إلى أكثر من 13 لغة) رواية جديدة تحمل عنوان "ألواح" (عن دار الساقي في بيروت في طبعة أولى 2016): "انفجارات حدثا في الوقت ذاته في 6 آب 1945: انفجار القنبلة الذريّة في هيروشيما وانفجار رحم ياسمين فولدت رشيد.

رشيد، الذي حمّله تزامن الحدثين المتناقضين مسؤولية كبرى، قرّر أن يكتب: عن الأب الذي لم يحسن عملاً قام به، عن الأم الجميلة المؤذية ببراءتها، عن الجدّ الذي حبّبه بالغناء، وصولاً إلى ناتالي الباريسية الحسناء التي قات له: تعال! فجاءها مشياً على سطح الماء.عن مشاعر مجرّد الشعور بها مدعاة للخجل، فكيف البوح بها؟

اقرأ أيضاً: «فنُّ القراءة»… ما يميّز نوعَنا الإنسانيّ

رشيد الضعيف كاتب وروائي لبناني. تُرجمت أعماله إلى أكثر من 13 لغة. صدر له عن دار الساقي “تصطفل ميريل ستريب”، “عودة الألماني إلى رشده”، “أوكي مع السلامة”، “ليرننغ إنغلش”، “ناحية البراءة”، “انسي السيارة”، “هرّة سيكيريدا”.

ومن هذه الرواية الذي يبوح فيها الكاتب بجوانب كثيرة مختلفة ومتعددة، من سيرته الذاتية نقتطف، وتحت عنوان “حقيقتي”، ما يلي: يظنّ الذين يعاشرونني أنني أعرف نفسي جيّداً، وأنني أعرف كلّ ما أريده وما لا أريده، وأنني أدرس بعناية كلّ ما أقوم به، وأخطّط له بدقّة وأنفّذه بلا تردّد.

يظنّون أنني قبل النوم أخلع بنطلوني وأطويه وأعلّقه يتأنَّ لأحافظ على “كسرته”، بل إنهم يظنُّون أنني حين أتناول شيئاً عن الأرض أنحني دون أن أطوي ركبتي حتى لا يخرب كيُّ بنطلوني!

ويظنّون أنني أغسل جوربيَّ وثيابي الداخلية، كل مساء، كفتاة مهذّبة. وأغسل أسناني بعد العشاء بفرشاة أجدّدها كل ثلاثة أشهر وأحياناً كل شهرين، وأذهب إلى الحمّام قُبيل النوم كي أبول وإن لم يكن بي حاجة.
ويظنون أنني آكل على الوقت، صبحاً وظهراً ومساء، وأنني لا أشرب الكحول ولا أدخّن. قال لي أحد أصحابي مرّةً: أراك كلّ يوم تقريباً، وأفاجأ كل يوم بأنك تدخّن. وقال لي آخر: لا تليق بك السيجارة، فأنت شخص واثق ذو إرادة فولاذيّة، وتتمتع إلى ذلك بالصبر.

ويظنون أنني أنهض من الفراش كل صباح وأتوجه إلى المطبخ وأشرب كوباً من الماء من قنّينة خارج البراد، كما أوصتني معلمتي حين كنت صغيراً.

لكن الحقيقة أنّ لا أحد يعرفني على حقيقتي، ولا أحد يعرف ماذا أخفي وماذا أُبطن، بحيث أنّ الذين يعاشرونني إذا ما رأوا بالعين ما أظهر فبالعين فقط يرونه، أي إنهم لا يدركون حقيقة ما يُخفيه الظاهر.كتاب ألواح
أنا بالمناسبة أدخّن نحواً من ثلاثين سيجارة في اليوم، منذ خمس وأربعين سنة. وأحاول التوقف عن التدخين كلّ يوم، منذ خمس وأربعين سنة، وأستيقظ من نومي كل يوم مصمّماً على عدم التدخين منذ خمس وأربعين سنة.

لا أحد يعرف أنني لا أغفو قبل أن تحطّ آخرُ طائرة في آخر مطار في آخر الدنيا، بأمان!

ولا أحد يعرف أنني مصاب بأرق مزمن سيتسبب بموتي قبل الألوان، ولا أحد يعرف أنّ لي أعداء ينبتون بلا توقّع، فجأة، ويطلقون عليّ حقدهم فيصيبونني أو أنجو بلا إصابة، ولكن نادراً ما أنجو بلا أثر. لي أعداء ينتصبون فجأةً أمامي من لا شيء، من زفت الطريق، من مبنى متهاوٍ، من مبنى أثريّ، من برج قيد البناء، من كراسي الأمكنة، من نسمة هواء، من عاصفة متوحّشة، من ظل شجرة، من غصن طريّ، بل إنهم يبرزون من نظرة، من رقّة حبيب أو إخلاص صديق، وكثيراً ما يخرجون من جيب تحت جلدي أنا بالذات.

لا أحد يعرفنني على حقيقتي، ولا أنا نفسي أعرف نفسي على حقيقتها.

من يعرف أنني آخذ بجدٍّ مسألة انطفاء الشمس بعد مليارات السنين، فأقتصد في استعمال الماء الساخن وفي استعمال كلّ أنواع الطاقة؟

من يعرف أن الشمس ستزول وتتلاشى بعد مليارات السنين، أي في أيامي؟

اقرأ أيضاً: كتاب «سوسيولوجيا العنف والإرهاب»: لماذا يفجّر الإرهابي نفسه؟

من يدرك عمق الحيرة التي سأقع فيها عندما يبدأ نور الشمس بالشحوب؟ من يقدر على أن يلتف بجلدي ليعيش مثلي تلك اللحظات المروّعة من اليأس المطلق؟

السابق
المجتمع المدني ومعاركه السياسية
التالي
مسؤول إيراني: بدأنا بوضع برامج لإعادة الإعمار في سورية