حزب الله ولبنان وامتحان الإرهاب عربيًا

علي الامين
الموقف الخليجي اتخذ خيار المواجهة بوجه الاختراقات الإيرانية في المنطقة العربية. هذا القرار يتأكد يوما بعد يوم، لكن أعباءه اللبنانية تصطدم بخيارات لبنانية يبدو أن تيار المستقبل ليس في وارد تحملها.

تشكل العلاقات الخليجية اللبنانية عنوانا أول في السجال اللبناني الداخلي، لا سيما في ظل تصاعد الإجراءات العقابية التي تتخذها هذه الدول تحديدا، والعربية عموما، تجاه حزب الله، وفي ظل مسار التهدئة الميدانية في سوريا وانطلاق جولات التفاوض العرجاء بين أطراف المعارضة وممثلي النظام السوري، تتنامى المخاوف من أن يكون لبنان مسرح تصفية حسابات لا سيما مع التهديدات التي وجّهها تنظيم داعش إلى حزب الله وإلى الرئيس سعد الحريري، وإلى المسيحيين عموما.

إقرأ أيضاً: لماذا عقوبات «التنابل» مؤذية لحزب الله؟

القلق من تصعيد أمني في لبنان، احتمال وارد في ظل تردي الأوضاع السياسية، وفي ظل الاهتزاز الاقتصادي والمالي، لكنّ أوساطا دبلوماسية أميركية في بيروت لا تزال تؤكد على أن الرسائل الدولية والغربية تحذر اللبنانيين من الغرق في مستنقع الصراع الدموي، ودعت إلى مواجهة مثل هذه المخاوف الحقيقية بانتخاب رئيس الجمهورية والانتقال إلى مرحلة تحصين المؤسسات الدستورية.

إذا كان الموقف الأميركي والغربي لا يزال في إطار حماية الاستقرار النسبي في لبنان، فإن المتابعة لتطورات الموقف الأميركي – الروسي في الأزمة السورية، باتت تشكل محور الاهتمام العربي والإقليمي، لا سيما أن خروقات بدأت تبرز على صعيد قوى المعارضة ولاحت أخيرا من القاهرة مع إعلان رئيس الائتلاف السوري السابق، أحمد الجربا، عن تشكيل تيار الغد في سوريا قبل أيام، والذي قرأته أوساط إقليمية باعتباره تطورا داخل المعارضة يقوم على استثمار الثقل المصري في المعادلة السورية، لا سيما أن القاهرة متمسكة بدورها العربي، ولكن هذه المرة بوجهة جديدة تقوم على منافسة دول إقليمية كتركيا وقطر، على التأثير في خيارات المعارضة.

هذه المؤشرات الإقليمية في المشهد السوري، جعلت حزب الله أكثر تمسّكا بسطوته في المعادلة اللبنانية. برز ذلك من التعامل مع التصعيد الخليجي بمزيد من توجيه رسائل باتجاه الداخل والخارج اللبناني مفادها أن إيران، من خلال حزب الله، ليست في وارد إنجاز تسوية في لبنان لا يكون حزب الله هو الحاكم فيها، وضمن معادلة دولة داخل الدولة وموقع إيران الثابت في مواجهة أي منافسة عربية على لبنان.

إذا خُيّرنا بين الانحياز للتضامن العربي وإيران، فإننا نقف إلى جانب إيران. قالها أحد وزراء حزب الله داخل مجلس الوزراء خلال الإعداد لبيان الحكومة الشهير الذي صدر في أعقاب الإجراءات الخليجية العقابية. قالها ردّا على سؤال من أحد وزراء تيار المستقبل.

هذا الجواب يختصر، إلى حد بعيد، السياق الذي عليه الموقف اللبناني من الاستحقاقات العربية، سواء في اجتماع وزراء الخارجية العرب منذ أيام الذي أدرج حزب الله على لائحة الإرهاب العربية، وهو ما يمكن أن يقر في القمة العربية المقبلة. أي أن لبنان لا يمكن أن يتخذ موقفا رسميا صريحا بتأييد أي موقف عربي يدين إيران، فكيف إذا كان المشروع الخليجي المرجح اقتراحه على جدول أعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب، إدراج حزب الله على لائحة الإرهاب عربيا؟

الموقف الخليجي اتخذ خيار المواجهة بوجه الاختراقات الإيرانية في المنطقة العربية. هذا القرار يتأكد يوما بعد يوم، لكن أعباءه اللبنانية تصطدم بخيارات لبنانية يبدو أن تيار المستقبل ليس في وارد تحمّلها. وذلك انطلاقا من أن أولوية حماية الاستقرار الداخلي والحفاظ على الحكومة العرجاء يتقدمان على ما عداهما. هذا ما يقوله أكثر من قيادي فعلي في هذا التيار، بل ذهب البعض منهم إلى القول إنه ليس في قدرة أصدقاء السعودية ودول الخليج مجاراتها في قرار المواجهة الذي اتخذته، رغم قناعة هؤلاء بمبرراته والأسباب الموضوعية التي تدفع دول الخليج إلى مثل هذا القرار التاريخي والاستراتيجي.

بل أكثر من ذلك، يذهب بعض حلفاء السعودية إلى التذمّر من توقعات الرياض والخليج، والمبالغة في ما يوحون بأن حلفاءهم اللبنانيين عليهم، أو قادرون على أن يفعلوه في سياق المواجهة، خصوصا أن الخليج “سلم لبنان لسوريا 15 عاما، منذ اتفاق الطائف إلى 2005، وسلمه لإيران من 2005 إلى اليوم، مهملا قوى السيادة على أكثر من مستوى”. فكيف يطلب منهم المواجهة والانقلاب السياسي اليوم؟ وكيف لهم أن يواجهوا دون عدة المواجهة؟

“لم تطلب المملكة أو أيّ مسؤول فيها من تيار المستقبل تبني موقفها، وليس من عادة المسؤولين السعوديين الطلب من أصدقائها ما تتمناه، هي ترغب بمواقف متصاعدة لأصدقائها تجاه حزب الله على المستوى الرسمي وغير الرسمي”. هذا ما يؤكده أحد الوزراء المستقبليين. فالمملكة لا تملي، بل تترك لأصدقائها في لبنان أن يتصرفوا بحسب تقديراتهم، وبالتالي فإن أصدقاء المملكة، واللبنانيين عموما، يتصرفون بما تمليه عليهم مصالحهم الحزبية والوطنية. ودول الخليج أيضا تتخذ إجراءاتها الإيجابية أو السلبية بناء على مصالحها وتقديراتها لمتطلبات المواجهة التي تخوضها مع إيران في أكثر من ساحة عربية.

لا شك أن أسئلة وهواجس عدة تتحكم في أصدقاء دول الخليج من اللبنانيين حيال المرحلة المقبلة. وهي لا تتصل، حصرا، بتيار المستقبل ولا الساحة السنية، بل تتعداها إلى الساحة المسيحية التي باتت في موقع ملتبس.. بل في موقع أقرب إلى أن تكون في حالة اهتزاز العلاقات المميزة التي ربطت فئات واسعة من المسيحيين بنظام مصالح كبير مع دول الخليج. ذلك أن ما يسمّيه خبير في الشأن السعودي “بداية بروز رأي عام خليجي” بدأت مؤشراته من شبكات التواصل الاجتماعي، ووصلت إلى عدد من الكتاب الصحافيين الشباب. هذا الرأي العام بدأ يظهر ردة فعل على ما يتلمّسه من أجواء مسيحية لبنانية معادية للسعودية، ودول الخليج عموما. ذلك أن ما يسمّيه المصدر الوزاري “الخيبة من المسيحيين” لا يتصل بموقف القوات اللبنانية، بقدر ما هو تعبير عن أن الصورة العامة لموقف المسيحيين تبدو سلبية من دول الخليج ودورها في لبنان. ولعل هذه الصورة كانت العنصر الأكثر تأثيرا في قرار وقف الهبة السعودية للجيش اللبناني، لا سيما بعد صدور “القرار الفضيحة” من المحكمة العسكرية بإطلاق سراح ميشال سماحة. قرار كان له صدى سلبي على مستوى الخليج، بما يحمله من دلالات عن تقاعس المؤسسة التي أصدرت القرار.

إقرأ أيضاً: السعودية في حالة هجوم: محاصرة حزب الله ودعم خصومه

في كل الأحوال ثمة قناعة باتت تترسّخ في وعي العديد من السياسيين أن لبنان لا يجوز أن يبدو في موقع المتسوّل، وأن خيار دعم المؤسسة العسكرية وتسليحها هو خيار وطني لبناني، يجب أن يتحمّل اللبنانيون مسؤوليته. لذا يجب أن يبدأ اللبنانيون بالانطلاق من مسلمة أن الدعم الخليجي للبنان صار من الماضي، وأن البحث عن البدائل من المنح هو بالاتكال على الذات.

(العرب اللندنية)

السابق
«طاولة كوي» في مكتب بوتين!
التالي
في أبراجك اليوم… هذه نسب نجاح في العمل والعاطفة