ترحيل اللبنانيين رحمة للعالمين

دعوني أدخل إلى مقال اليوم بهذه القصة: يُروى أن الجوازات السعودية في عهدٍ من العهود؛ قرَّرت ترحيل أحد الإخوة العرب العاملين في السعودية، بسبب مشكلة ما، فغضب ذلك العامل وذهب إلى مسؤول كبير، قائلاً له: (إنني رجل لديَّ مواهب كثيرة، وستخسر السعودية كثيراً بترحيلي، لذلك أرجو منكم إلغاء قرار الترحيل، إذا كانت مصلحة بلدكم تهمُّكم). وحين قرأ المسؤول شهاداته ووثائق كفاءاته ومواهبه الاستثنائية، كَتَبَ على المعاملة: (طالما هذه مواصفات المذكور فبلاده أحقّ به منّا).
هذه القصة –على بساطتها- ممكن أن تختصر حال اللبنانيين في المملكة، الذين نُطالب بكل هدوء بإبعادهم جميعاً، الطيب والعاطل والمائل والخامل.. أقول هذا وأنا بكامل قواي العقلية، رغم أن التعميم “لغة الجهّال”، ولا مانع أن أكون من الجاهلين أحياناً، لأن أدلّتي مقنعة، على الأقل مقبولة ومعقولة؛ من وجهة نظر بعض الناس، وسأختم المقال بأسباب الإبعاد، أما الآن فدعونا نفتح صفحة على المشهد اللبناني:
يُحب اللبنانيون أغنية تقول كلماتها: (راجع راجع يتعمّر لبنان)، لكن هذه المرة وبحكم أفعالهم، وردة فعلنا على ألم استمرار خيباتهم، ربما تصبح كلمات أغنيتهم: (راجع راجع يدمّر لبنان)، لذلك حسناً فعلت المملكة العربية السعودية حين قرّرت إعادة النظر في علاقتها مع لبنان، رغم تأخُّر هذا الإجراء، خاصة وأن مواقف لبنان السلبية تجاه السعودية؛ تستفحل وتتفاقم في ملفات كثيرة، خلال السنوات الأخيرة.
على مدى تاريخ العلاقات بين البلدين، كانت يد السعودية هي العليا في العطاء والبذل، وهو -بلاشك- عطاء من طرفٍ واحد، ونظراً لأن ذلك يُشبه الحب من طرف واحد، فسأترك جزئية العطاء إلى فقرة لاحقة، لأحاول فهم نظرة اللبنانيين للحُب، فهم لا يُحبّوننا أبداً، بل عندما يديرون ظهورهم يحتقروننا ويشتموننا، وينظرون إلينا ككائناتٍ طارئة على الحياة، لا تتقن أي شيء سوى التمتع بأموال النفط وتبذيرها.
إن ما زاد الحال سوءاً، ردة فعل اللبنانيين هذه الأيام على الموقف السعودي، كترويجهم لأكاذيب ومزاعم حول دور لهم؛ في نهضة التعليم في السعودية، ومساهمتهم في البنية التحتية، وجهودهم في التنمية، ويحقُّ لنا أن نقول لهم: عزيزي اللبناني “لا تكذب الكذبة وتصدقها”، فليس لكم علاقة بنهضة التعليم في السعودية، وكل السعوديين يتذكَّرون أن المعلمين أتوا من السودان ومصر والأردن، وفلسطين، وكان لهم الدور الأبرز في هذا الجانب، أما أنتم –يا معشر اللبنانيّين- فقد أتيتم في موسم جني الأرباح.
أما البناء والتعمير، فكان للعمالة اليمنية والباكستانية، والهندية والتركية والكورية، الدور الأبرز بالتعاون مع السعوديين.. حتى شركة المقاولات اللبنانية الكبرى، تأسَّست لاحقاً، وكانت عبئاً على السعودية التي دعمتها، ومنحتها أولوية لتنفيذ بعض المشاريع، رغم أن هذه الشركة كانت تُوظِّف اللبنانيين فقط، وتُنفق ما تكسبه خارج السعودية.. باختصار، لم نشاهد اللبناني في السعودية، إلا بعد النهضة والاستقرار والرخاء؛ على كافة الأصعدة.
أكثر من ذلك، إن أغلب اللبنانيّين يأتون إلى السعودية، ويُعاملون السعوديين بتعالٍ واستخفاف، كما أن نفوس اللبنانيّين كلها نزق، فدائماً نراهم يرتدون البدل من ماركات مُقلّدة، من شوارع الحمراء، ويعملون في التسويق وخطف الإعلانات، بطُرقهم المعروفة –والمشبوهة أحياناً- ومواهبهم الخاصة التي لا يملكها غيرهم، وربما لا يريد غيرهم أن يملكها، حيثُ أصبحت كلمة “لبناني” مهنة وليست جنسية.

اقرأ ايضًا: السعودية مصرة على اجراءاتها بالرغم من محاولات التهدئة
أما بالعودة للحديث عن العطاء، فعلى مرّ السنوات، بلغ الإنفاق الرسمي السعودي المُعلَن، قرابة خمسة مليارات دولار في عدّة وجوه، أبرزها مِنح مباشرة للخزينة اللبنانية، بلغت قيمتها حتى آخر 2010، مليار ومائتا مليون دولار، ووديعة بمليار دولار لدى مصرف لبنان، لدعم الليرة اللبنانية، إضافة إلى مِنحٍ لرسوم الطلبة، بلغت 82 مليون دولار، بخلاف قروض أخرى من مؤسسات تمويل سعودية، تُقدَّر بنحو ملياري ومائتا مليون دولار.
لقد كان سرّ جمال لبنان في تنوعه، لكن التنوع دون تكافؤ القوى جميعها؛ سرق لبنان منه، ومن اللبنانيين أنفسهم، وإذا كان اللبنانيون يؤمنون بمصالح لبنان، وتحسين علاقاته مع السعودية، فعليهم أن يثبتوا لنا ولأنفسهم داخل لبنان قبل خارجه؛ بشكلٍ عملي، أما صفحة السعودية مع لبنان فهي بيضاء، بل ناصعة البياض، خاصة وأن السعودية كانت تعطي اللبنانيّين؛ عطاء من لا يخشى الفقر، وفي المقابل لم تجنِ من هذا العطاء، إلا الخيبة تلو الخيبة.
أعود مرة أخرى إلى بداية المقال، حين طالبتُ بإبعاد كل اللبنانيّين؛ الذين هم بشكلٍ عام ينقسمون إلى ثلاثة أصناف: إما طبقة عاملة عادية، فهؤلاء لدينا منهم في السعودية مئات الألوف، وإما أن تكون طبقة عاملة من طبقة “الدشير”، وهؤلاء يجب أن يُرحّلوا قبل الجمعة القادمة، لأننا “يا دوب” نتحمّل “دشيرنا”، أما الصنف الثالث، وهم أصحاب الكفاءات من الطبقة الماهرة، فهؤلاء مُكلِّفين مالياً، نظراً للوضع الاقتصادي المزري، كما أن لبنان أحقّ بهم منّا، خاصَّة وأن لبنان تعرَّض إلى كثير من التدمير، ويحتاج كل سواعد أبناءه لإعادة التعمير.
في النهاية أقول: علينا أن نذكر بأن شاعرنا الكبير “جبران خليل جبران”؛ كان يُردّد دائماً عبارة (لكم لبنانكم ولي لبناني)، لذلك نكتفي نحن بما في ذاكرتنا من لبنان، “فيروز وجبران ومارون عبود وسعيد عقل”.. أما أنتم فلكم لبنانكم المختطف من حزب الشيطان، وفلول إيران، وأذناب ذوي النزعات الطائفة في سوريا والعراق، وبعد أن تعودوا إلى لبنانكم، أرجو أن تُعيدوا لنا الرجل الصالح؛ والمثقف الناجح الصديق “أحمد عدنان”.

(ع اليوم)

السابق
لتفعيل معنى يوم 8 آذار كيوم لتحرير المرأة
التالي
الاندبندنت: منافسة السعودية لأميركا بالنفط اغرقت السوق بكميات هائلة