«الحاكم عند الفارابي».. المواءمة بين الإسلام والفلسفة

كتاب الحاكم عند الفارابي
العلاّمة والباحث الشيخ فضل مخدِّر، في كتابه الجديد الصادر حديثاً (عن دار الأمير في بيروت، في طبعة أولى 2016)، يقدِّم رؤيته العلمية الخاصة في مسألة "الحاكم عند الفارابي".

وهذا الكتاب، هو دراسة موسومة بـ”الحاكم عند الفارابي (بين الإسلام والفلسفة)”. قدّم لها الناشر (مدير عام دار الأمير) الدكتور محمد حسين بزّي. وتتألف هذه الدراسة من مقدِّمة وأربعة فصول وخاتمة. ويقول مخدِّر في المقدِّمة:

“إن هذه الدراسة تضع النظرة إلى الحاكم، من وجهة النظر الإسلامية، فلسفياً وتشريعياً في إطار البحث، بما يعود بفرضية إن كان الحاكم فيلسوفاً أم فقيهاً؟ أم إماماً؟ أم غير ذلك؟ بل يمكن القول هلا لحاكم عند الفارابي في مواصفاته وشروطه، هو نسخة عن النبي؟ وإن اختلف في المنزلة والقدر، وإن كان كذلك، فهل هو الإمام المعصوم؟ كما هو عند الشيعة الإمامية أم لا؟ فهو لم يقل بنظام دولة شيعية، إنما طرح نظريته، وقد بدا فيها التطابق مع ما يطرحه الشيعة الإمامية في رؤيتهم للحاكم والحكم، مع الأخذ بعين الاعتبارم نطلقات الفارابي في نظريته، ولماذا كتب المدينة الفاضلة؟.. وهل هي مجرد نظرية في إطار البحث العلمي المحض، والرؤية المثالية؟ أم هو مشروع من تأملات فلسفية، وجذور دينية، في مرحلة سياسية واجتماعية، تقتضي البحث والنظر والتأمل في الحاكم والحكومة، وبنيان الدولة؟ لا سيما وأن المرحلة التي كتب فيها مدينته الفاضلة، كانت مرحلة تهافت وضعف دولة الخلافة العباسية”.

اقرأ أيضاً: الإسلام وضرورة التحديث من وجهة نظر قرآنية

وإن كان الفارابي – وعلى الطريقة الأفلاطونية – لا يفصل بين الزماني والمكاني والإرادي العقلي لإنسان المخيّلة، والفكر فهل يمكن أن نقول: إنه وضع نظريته منطلقاً من تلك المرحلة، وذلك الواقع؟ فكتب الرؤية التامة، والخطة الكاملة لمفهوم المدينة والحاكمية، مفترضاً ما ينفع المرحلة، وما هو أوسع منها، في الزمان والمكان، وقد عبر عنها في تقسيماته للمدينة الفاضلة وأضدادها، ورؤيته للحاكم الواحد، او المتعدد، الجامع لشروط خاصة، ومواصفات معينة، بما يجعل من النظرية، دستوراً صالحاً من وجهتين:

أولاً: يصلح لأي مدينة (دولة) تطمح لتكون فاضلة، بمخطط عام يكون ركيزتها في سبيل هذا الهدف.

ثانياً: يصلح لدولة تحمل صفة الدين والإسلام، لتكون محلاً للتطبيق، ومتسعاً مناسباً للتنوع البشري، في ظل الحكومة أو الدولة الإسلامية، سواء المدينة الصغرى، أم الوسطى، أم تلك المدينة العظمى، التي تعني المعمورة.

وهذا ما دفعنا لاختيار هكذا موضوع معللين الأمر على سببين أساسيين في ذلك:

أولاً: بقيت قضية الحاكم في تاريخ الإسلام محلّ نزاع، ومحلّ اختلاف على مستوى الرأي والنظر، وصولاً إلى صلب الاعتقاد بين المذاهب، الفكرية والفقهية المتعددة.

كتاب الحاكم عند الفارابي

وقد وضع الفارابي جلَّ ما وصلت إليه علومه وقدراته الفكرية المتقدمة، لا سيما العلوم العقلية، في خدمة هذه القضية، خصوصاً وأن رؤية للحاكم والحكم، أي فلسفته السياسية خرجت في فترة نضوجه الفلسفي والعلمي، ووضع الأساس الأول للفلسفة السياسية، غير بعيد عن مدارك التشريع ومصادر التنزيل، مما يدعونا بشكل من الأشكال إلى عدم الإهمال، لتلك النظرية أو النظريات، والبحث في ترميزاتها وتفصيلاتها والوصول إلى مراداته فيها ومنها.

ثانياً: إن الفارابي ذا الأصول الإسلامية “الشيعية”، هو واحد من أهم علماء وفلاسفة الإسلامية في عصره، بل هو، إن لم يكن الفيلسوف الإسلامي الأول يكفِه أن يكون المعلم الثاني على مستوى الوجود الفلسفي الإنساني، ومن لم ينهل منه أو يتأثر به من فلاسفة المسلمين، فقد طرق بابه يوماً واستضاء بفكرة، أو استهدى بلمعة ومع ذلك نجد أن نظريته السياسية ورؤيته للحاكم، لم تأخذ دورها فيا لفكر السياسي الفلسفي، أو الديني الإسلامي، لا سيما عند الشيعة الإمامية، الذين إن لم تتطابق نظرته بالكل مع رؤيتهم، فإن بها مستنداً برهانياً، ودلائل عقلية تتوافق وتؤيد، فكان لا بد من العناية والبحث والتأمل بفكره الفلسفي السياسي.

إن أهمية اختيار موضوع الحكم والحاكم عند الفارابي، تنبع من ذات الأسباب السالفة، خصوصاً وأن الواقع ما زال على ذات الأرق التاريخي، بل وصل إلى الرجوع التام للبداوة والتوارث، والجهل والتجهيل، مبتعداً عن الأصول السماوية، والمرتكزات العقلية، وإن امتلأت المكتبة العربية والإسلامية بالكتب، وأمّاتها التي بحثت في الحاكم من الجهات العلمية العدة، إلا أن الرؤية الفلسفية للسياسة والحكم، ما زالت محل تنازع، حتى في مجال الفكر.

فهذه الدراسة، قد لا تخرج عن إطار هذا التنازع، إلا أنها محاولة جادة للوصول إلى صيغة، قد تكون توفيقية بين الرؤية الدينية والرؤية الفلسفية للحاكم. وما اختيار الفارابي إلا لأنه المؤسس الأول، بل الأهم حتى زمننا، في التنظير الفلسفي للحاكم بما يتناسب مع ذلك.

إن المنهج المتبع في هذه الدراسة، هو (منهج تاريخي تحليلي) يتناول الواقع السياسي الإسلامي، والآثار الفكرية السياسية، التي كانت سائدة في تلك المرحلة، والتي عُرفت فيما بعد بالفلسفة السياسية الإسلامية، ويقوم بتحليل وتفكيك نص الفارابي المؤسس الأول لها، وما يمكن استخلاصه من رؤية فلسفية لطبيعة الحاكمية، ووظيفتها فلسفياً واجتماعياً، ومدى انسجامها مع الطبيعة الإنسانية والرسالات السماوية، هذا مع عدم ضرورة استنتاج حكم نهائي فيما يتعلق بالموضوع الذي يبقى موضوعاً نظرياً، هادفاً إلى رسم صورة الأصلح.

اقرأ أيضاً: تأمّلات حنَّة أرندتْ «في العنف»… تاريخياً

وفي القسم الأوّل من الفصل الأول، تتناول هذه الدراسة سيرة الفارابي، وحياته، ومنشأه، وتعلمه، وأساتذته، وبمن تأثّر وأثّر، ومراحل انتقاله، وعلاقته بالسلطة، ومجمل عناوين كتبه، المطبوعة والمخطوطة، وحياته الخاصة، وأسلوب عيشه، وتاريخ وفاته. وفي القسم الثاني من الفصل الأول، تتناول منهج الفارابي في الفلسفة، وتأثره بفلسفة أفلاطون، وأرسطو، وعموم الفلسفة الإغريقية، وأصوله الإسلامية، وارتباطه المذهبي، وما يمكن أن يكون قد تركه من تأثير، في فلسفته، ونظريته في “آراء أهل المدينة الفاضلة”، لا سيما رؤيته في الحاكم.

أما القسم الأول من الفصل الثاني، فقد تناولت الدراسة رؤية الحاكم، من منظور إسلامي سني في تعريفه ووجوبه وطريقة اختياره وشروطه وواجباته وحقوقه وعزله والتعرض لمتعلقاته ذلك من توافق واختلاف، كما تتناول عدداً من آراء أهل العلم والفقه، من عموم مذاهب المسلمين السنّة.

وفي القسم الثاني من الفصل الثاني، تتناول الحاكم من منظور إسلامي شيعي، في تعريفه ووجوبه وطريقة اختياره وشروطه ومهامه وحقوقه، وذكر أهم معتقدات الشيعة ومذاهبهم وآرائهم الفقهية في ذلك.

أما القسم الأول من الفصل الثالث، فقد تناولت الدراسة الفلسفة السياسية، ونظرية المدينة الفاضلة في تاريخ الفلسفة لا سيما اليونانية منها، ونظرية أفلاطون السياسية بالتحديد، ورؤية في الجمهورية العادلة والمدينة الفاضلة وكيفية الحكم والحاكم ومواصفاته فيها.

وفي القسم الثاني من الفصل الثالث تتناول الدراسة مدينة الفارابي وطبيعتها ومضاداتها، وأهمية نظريته الفلسفية السياسية، وإدارة الحكم، وما يؤدي إلى السعادة المنشودة وتحقيق العدل من خلال “آراء أهل المدينة الفاضلة”، ومجمل ما ورد في كتابه.

وفي القسم الأول من الفصل الرابع تتناول الدراسة تعريف الحاكم برؤيا الفارابي وطبيعة نظام حكمه ومواصفاته وميزاته وشروطه ورؤية الفارابي في تحقيق ذلك.

اقرأ أيضاً: كتاب «سوسيولوجيا العنف والإرهاب»: لماذا يفجّر الإرهابي نفسه؟

وفي القسم الثاني من الفصل الرابع تتناول الدراسة اختيار الحاكم وما طرح الفارابي من مقدمات فلسفية تتيح إيضاح طريقة الاختيار وتحدد معالمها الطبيعية والإرادية، كما يضم هذا القسم سلطات الحاكم وآلية حكمه من خلال “آراء أهل المدينة الفاضلة” ورؤية الفارابي لتحقيق ذلك كما وردت في مجمل كتبه، وبيان ارتباط ذلك بمنهجه الفلسفي.

السابق
إعتصام في مخيم البداوي إحتجاجا على تقليص الاونروا خدماتها
التالي
موقع «جنوبية» اللبناني يندد بحملة يشنها أنصار حزب الله ضده