السيد محمد حسن الأمين: لا «تبشير» بين المذاهب الاسلامية بل «حوار»

السيد محمد حسن الامين
تسود حالة من الاستنفار المذهبي في بلاد المسلمين، وذلك بعد استفحال ظاهرة التبشير بين المذاهب وما نشأ عنها من ردود فعل عصبية ودموية في بعض البلدان، ولعل ما جرى في نيجيريا الشهر الماضي من فتنة مذهبية ذهب ضحاياها العشرات اهو خير دليل على ذلك، والسؤال هنا، هل يجوز التبشير الديني بين المذاهب اذا كان يؤدي الى قيام فتنة بين المسلمين؟

سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين يجيب عن هذه الاشكالية بقوله: “ما يسمى بالتبشير أو الدعوة التي تتوجّه إلى طرف من الأطراف قاصداً بذلك تحويله من فكر إلى فكر آخر، أو من عقيدة يتبناها المبشِّر، هي من وجهة نظري جزء حيوي مما يسمى في القرآن الكريم بعملية التعارف، “يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.ومن الطبيعي أن من يحمل عقيدة معيّنة مقتنعاً بها أن يبشِّر الآخرين بهذه العقيدة، وهذه صورة من صور الحوار والتعارف.

اقرأ أيضاً: السيد محمد حسن الأمين: الاسلام ذمّ «الشعراء» المضلّلين فقط

ما لم يكن المقصود منها هو الهيمنة من قبل قوم على قوم آخرين. ففي تاريخ التبشير المعاصر، بل منذ قرون اتخذ التبشير المسيحي الأوروبي صورة الغزو الثقافي الذي يراد منه تغيير هوية الأمة الإسلامية، وذلك عن طريق تسفيه العقيدة الإسلامية وتوجيه الرأي العام، وخاصة الرأي المتصل بالنخبة المتعلمة، لاعتناق القيم والعقائد الغربية، وذلك بهدف تحويل الأمة الإسلامية عن هويتها الفكرية والثقافية مما يسهّل عملية السيطرة الاستعمارية ويحقق للمستعمر الغربي النفوذ على مقدرات الأمة والسيطرة عليها، بذلك أصبح مفهوم التبشير مفهوماً سلبياً يحيل إلى تلك المرحلة السيّئة ويعطي عن طابع التبشير انطباعاً سلبياً”.
غير ان السيد الأمين يميّز بين التبشير وشكل آخر من أشكال التعارف فيقول: “نحن نميّز بين دعوة أو تبشير حرّ هدفه التعارف مع الآخر، وإقناعه أو الاقتناع منه، وهذا لون إيجابي هو أقرب إلى الحوار منه إلى اجتذاب الآخرين لأهداف سياسية ذات محتوى تسلّطي، وعلى هذا الأساس فإن موقفي من التبشير يتوقف على الأهداف التي يتوخاها، وهو الحوار الفكري والعقلي الذي يهدف إلى التقارب، وأرفض أنواع التبشير التي تهدف إلى احتواء الآخر خصوصاً إذا رافقت حملة التبشير تقديم منافع وأموال ومساعدات مادية للفئات التي يتم تبشيرهم، وهو ما نجد نماذج لهم في بعض البلدان التي استهدفت الكثير من مسلمي أفريقيا.

الحوار الاسلامي الاسلامي

وبناء عليه يرفض السيد الأمين التبشير المذهبي فيقول: “التبشير يتخذ هذا الطابع السلبي حتى لو كان تبشيراً بالعقيدة الإسلامية أو بالعقيدة المذهبية الشيعية، في حين أن حق الحرية في الدعوة إلى العقيدة التي نؤمن بها هي أمر مباح ولكن شرط أن لا ترافقه مشروعات لا علاقة لها بالعقيدة وقد تكون علاقتها في الاجتذاب السلبي للآخر، وفي السعي إلى نفوذ سياسي على هؤلاء القوم المبشرين، عدا أنني لا أرى أن مفهوم التبشير بين الطوائف الإسلامية هو التعبير السليم عن الحوار بين المذاهب، فالمسلم السني أو الشيعي حين يحاور أحدهما الآخر فلا يمكن أن نطلق على هذا الحوار عنوان التبشير، إذ كلنا مسلمون، واختلاف في المذاهب مظهر من مظاهر البنية الاجتماعية الإسلامية ومن وجهة نظري فإن قيام حركات تهدف إلى جذب الآخرين من المسلمين يتنافى مع ما يجب أن تكون عليه الثقة بين أتباع المذاهب الإسلامية واحدة تجاه الآخر.فنحن نتحاور ولا نبشّر، واختلافنا في تفاصيل الشريعة لا يتحمّل جعلنا طرفين متباعدين يتطلب منا هذا التباعد أن يبشر بعضنا بعضاً بعقيدة نحن متفقون عليها، فالمطلوب هو حوار المجتهدين في المذاهب بعضهم مع البعض الآخر وتقريب وجهات النظر، دون أن يطمح بعضنا إلى اجتذاب البعض الآخر عن ملته، وليكن شعارنا الحكمة المأثورة التي تقول (رأيي على صواب يحتمل الخطأ ورأيك على خطأ يحتمل الصواب).

اقرأ أيضاً: السيّد محمد حسن الأمين: ما نعيشه ليس صحوة اسلامية بل أسوء تخلّف في تاريخنا

ويختم السيد الأمين موضحا “أن ما تقوم به بعض الجهات من محاولات الاحتواء، تحت مسمى التبشير أو الدعوة، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي نجم وينجم عنها حساسيات خطيرة من قبل الشعوب والدول المستهدفة لهذا النوع من التبشير، نرى أنه قد يؤدي إلى نوع من الفتنة ويخرج المسألة عن كونها مسألة حوار طبيعي وبدل التبشير بالمذهب الشيعي مثلاً، لتكن الحركات الناشطة في هذا المجال، ناشطة في الدعوة إلى وحدة المسلمين وتقاربهم وتحابهم وإقرار كل فريق بالفريق الآخر على مذهبه، وإطلاق أوسع مدى من الحرية للاجتهاد والاختيار الممنهج الذي يرتضيه كل طرف أو كل فرد من أفراد المسلمين، لأنه لا بد من إبقاء باب الاختيار والحرية مفتوحين، إذ لا عقيدة سليمة أو مقبولة ما لم تكن نتيجة اختيار حرّ، وهذا ينطبق على اختيار الأديان، فبالأولى أن ينطبق على المذاهب ذات الدين الواحد.

السابق
أسرى «حزب الله»… إلى الحرية في شهر أو أقل
التالي
إيران «تعبانة»… والسعودية «تعبانة»!