السيد محمد حسن الأمين: شخصيّة النبي محمد  معجزة أكثر من القرآن نفسه

السيد محمد حسن الامين
لم تثر شخصية في العالم جدلا حولها عبر التاريخ كما أثارت شخصية نبي الاسلام محمد (ص)، فقد أتى برسالة سماوية وحضارية في آن واحد، وهي رسالة ثورية فكرية كذلك، فكيف لسيّد هذه البادية الذي نشأ في بيئة صحراوية نائية عن الحضارة الشامية واالغربية والفارسية ان يأتي بما أتى به؟ هل هو الوحي الالهي فحسب، أم ان عبقرية فذة طبعت شخص الرسول هي التي صحبت هذا الوحي فبلورته وأخرجته قرآنا مقدّسا وشريعة عمت حياتنا كما نعرفها اليوم؟

بمناسبة ولادة رسول الله محمد (ص)، طرحنا تلك الاسئلة الآنفة الذكر على سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيّد محمد حسن الأمين فأجاب: “بغض النظر عن الروايات والأحاديث والكثير من النصوص التي وردت في الحديث عن الرسول(ص)، فإن عقلاً راشداً وطموحاً يمكنه أن يستجلي من معطيات سيرة محمد(ص) ومن المعلومات القطعية عن حياته وسلوكه وإدارته لوظيفة النبوّة، ملامح تلك الشخصية وعظمتها الاستثنائية وصفاتها التي حدت بالبعض ومنهم “محيي الدين ابن عربي” بإطلاق لقب “الإنسان الكامل” على النبي، والحق أن مستقرئ هذه الشخصية بكل ظروفها وأبعادها وما واجهته في سبيل الدعوة، أوّل ما يلفته، بل ما يدهشه هو سمة البساطة والعفوية والفطرة السليمة التي وسمت سلوك هذه الشخصية في كل أحوالها، واستطاعت أن تجسّد الكمال الإنساني تجسيداً حياً يفوق في تقديري بإعجازه حتى معجزة القرآن الكريم نفسه.

 

ويضيف السيد الأمين مؤكدا قوله: “ولعل ألمع ما ورد في النص القرآني في وصفه لهذه الشخصية قوله تعالى “وإنك لعلى خلق عظيم”. أقدّم بهذا الكلام للقول بأن شخصية الرسول مضافاً إلى معجزة القرآن الكريم والوحي، لا تترك مجالاً لعقل إنسانيّ موضوعي باحث بصدق وإخلاص عن الحقيقة أن يعتريه أي شك في صدق هذه النبوة وحتى لا نستطرد كثيراً في استجلاء هذه الصورة للنبي لأن مجالات التوسع بشأنها تحتاج إلى دائرة واسعة جداً.

ننتقل إلى إجابة السؤال المطروح بشأن النص القرآني وهل أن هذا النص كان وحياً بمعانيه ومقاصده، وأن مهمة صياغته أعطيت للنبي، أم أن هذا النص نزل على الرسول بالألفاظ نفسها التي يحتويها القرآن الكريم؟

 

يقدّم السيد الأمين لاجابته قائلا: “لا أريد أن أناقش الآراء والأقاويل التي رأى أصحابها أن النص القرآني لم ينزل بلفظه بل بمعانيه، مع ان مجال الاستدلال على القول بأنه نزل بنصه المعروف والموجود الآن بين ايدينا كثيرة. ولكني أريد أن أقتصر على لفتة خاصة في هذا المجال لأقول بأن الصيغة والأسلوب والخصائص اللغوية والأدبية والتعبيرية التي يتضمنها النص القرآني لو كانت من صياغة محمد(ص) لما أمكن أن يكون للرجل نفسه (أي للنبي) أن يأتي كلامه الشخصي وخطبه وأحاديثه مفارقة من حيث اللغة والأسلوب للقرآن نفسه الذي نلاحظ أن هناك فرقاً شاسعاً من الناحية الأدبيّة واللغوية بين نص النبي في خطبة ورسائله وأقواله وبين النص الذي يتضمن القرآن الكريم.فلا يمكن لأديب أو مبدع مهما سمت قدراته ان يكتب نصين يختلفان عن بعضهما اختلافاً كبيراً في النفس وفي الإيقاع وفي الأسلوب”.

 

ويستعين السيد الأمين وهنا بكلمة لفت فيها الدكتور طه حسين إلى أن “اللغة العربية تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي الشعر، والنثر، والقرآن”.فالقرآن بالرغم من كل محاولات معارضته وعلى مرّ كل هذه القرون ظلّ نصاً فريداً، فيما الشعر والنثر تغيّرا وتطوّرا وما زالت اللغة العربية تنقسم إلى شعر ونثر وقرآن، وهذا ما يجعلني بالإضافة إلى أدلّة كثيرة أخرى أوقن أن النص القرآني نزل بألفاظه وبمعانيه معاً، ولم أجد لا ادعاءات بعض المستشرقين، ولا في ادعاءات مشكّكين عرباً ومسلمين حول النصّ القرآني واعتباره من صياغة محمد(ص)،ما يمكن أن يقنع أحداً ذا صلة حقيقية بالأدب وفنّ القول أن هذا النص يمكن أن تكون صياغته بشرية.

 

في عصر الفتن الذي نعيش فيه ماذا تلهمنا سيرة الرسول(ص) وماذا كان سيفعل لو عاد في عصرنا ورأى المسلمين بهذه الحالة من التشتت الافتراق وحتى التحارب فيما بينهم في بعض البلدان؟

يجيب السيد الامين: “هناك بون شاسع بين الصورة التي أرادها الإسلام وعمل الرسول من أجلها بشأن أمة مباركة، تكون خير أمة أخرجت للناس وبين الواقع الراهن لواقع المسلمين ولاجتماعهم الأخلاقي والسياسي والديني وعلى كل الصعد التي تجعل من الأمّة تطبيقاً بشرياً لإرادة الوحي الإلهي. ويمكن للمرء أن يتخيّل وهو بالطبع خيال مستحيل، أن يبعث محمدا في عصرنا الراهن ليجد أمته على هذه الحال التي هي فيها.

إن أحداً لا يمكنه أن يتنبّأ نبوءة صادقة، بما سوف يقوم به هذا النبي العظيم، وهنا يحق لكل من يفكر ويتأمل أن يكون صورة في ذهنه عن ما يمكن أن يفعل الرسول، ذلك على قاعدة معلوماتنا ومعرفتنا بنهجه الذي نشر فيه عقيدة التوحيد وأصبح فيه المجتمع الذي يحيط به أولاً، وامتدّ هذا الإصلاح إلى دائرة أوسع من الأمم التي اعتنقت الإسلام ضمن تويجهات الرسول، لذلك يخيّل إلى أن الرسول سوف يكرّر الدعوة إلى التوحيد، ولكن طبعاً بمفاهيم ومضامين تتصل بكل ما استجدّ من معارف وقيم وعلوم وأنه سوف يعطي للتوحيد مغزاة البشري الاجتماعي، والأقل هنا أنه سيعيد الدعوة إلى الإسلام بأسلوب يتناسب مع طبيعة ما أريد تسميته بالجاهلية الجديدة وبالتأكيد، فإن أكثر ما سيعمل عليه هو تظهير الإسلام بصورته النقية الأولى قبل أن تتفوق في المذاهب والطوائف والنزعات البشرية المختلفة التي تحوّلت إلى عامل تفرقة بين المسلمين”.

 وبالعودة الى رسالة الوحي يقول السيد الامين “ان هدف الوحي، جاء يحمل رسالة لتحرير الكائن الإنساني أيّاً يكن صنفه من كل أشكال الارتهان والعبودية، وهذا هو العنوان الأبرز والشعار الأسمى للإسلام ملخصاً بكلمة “التوحيد” أي لا إله إلا الله.إن هذا النفس، هو نفس إنساني وليس نفساً عصبوياً، فضلاً عن صراحة القرآن وصراحة النبي بأن رسالته موجهة للبشرية بكاملها”.

“إن تعدّد المذاهب في الإسلام – يتابع السيد الامين – كما أشرنا إلى أحاديث سابقة لم يكن أمراً سلبياً، ولكنه بات أمراً سلبياً عندما تحولت هذه المذاهب إلى أطر ضيّقة وإلى ما يشبه العصبيات القبلية وتعطلت حافز الحوار والاجتهاد بين أركان هذه المذاهب، ووصل الادعاء ببعضها إلى أن تعتبر نفسها أنها لوحدها تمثل الإسلام، وأن غيرها من المذاهب هو على ضلال. فيما نشأت المذاهب ولم تكن سوى ثمرة لحراك فقهي علمي ومحاولات اجتهادات مخلصة، لذلك قلت أن عودة النبي في الفرض الخيالي تفترض بتقديري تظهير الإسلام بصورته الصحيحة الدقيقة ودعوة الناس إلى اعتناقه والالتفاف حوله وبالتالي توحيد الأمة الإسلامية على قاعدة هذا الإسلام الحق”.

 ونهاية لفرضية عودة رسول الله (ص) المستحيلة يختم السيد محمد حسن الامين بقوله ” أريد أن أشير كما أعتقد أن الناس حينذاك سيقولون إن محمداً جاء بدين جديد، ذلك أن التراكمات التاريخية التي أثّرت في نظرة الناس إلى الإسلام سوف تتساقط وسوف يبصر الناس الإسلام الحقيقي بعيداً عن المؤثرات السلبية الكبيرة التي لحقت بكثير من قيم الإسلام وأحكامه على مدى هذا التاريخ”.

 

السابق
غارة روسية في ريف دمشق تقتل زهران علوش قائد «جيش الإسلام »
التالي
هل احترقت ورقة فرنجية في نار الصراع الإيراني – السعودي؟