فرنجية رئيساً: الثورة تنتصر!

عديدة هي التفسيرات التي تُساق لتبرير طرح اسم سليمان فرنجية رئيساً للبنان، غير أنها جميعاً تصبّ في منحى ربطه بالتطورات السورية، وتحديداً برحيل مرتقب لبشار الأسد عن كرسي الرئاسة. بصياغة غير هزلية تماماً، يكون انتخاب سليمان فرنجية واحداً من نتائج الثورة السورية. وبصياغة أخرى لا تخلو من الهزل، من المنتظر أن يحصل فرنجية على ترضية شخصية كبيرة من خلال الرئاسة، مقابل خسارة صديقه الحميم رئاسة سوريا. على رغم أن الصياغة الأخيرة مطروحة بجدية تماماً، إذ يعتبر أصحاب هذا الرأي رئاسة لبنان بمثابة ترضية عن رئاسة سوريا التي سيفقدها فريق الثامن من آذار قريباً.

نظرياً، فيما لو سارت التسوية على الجانبين، تربح سوريا فيخسر لبنان. أما خلف هذا الاستنتاج فهناك طرف إقليمي هو من يدفع في لبنان ليقبض في سوريا، مقابل طرف إقليمي آخر يدفع في سوريا ليقبض في لبنان. في هذه المعادلة لا مكان للقول بأن اللبنانيين كانوا طوال عقود في موقع الخاسر بسبب وجود النظام السوري، وأنهم يتوجون خساراتهم بدفع قسم من ثمن رحيله، بل بأن يكون النظام نفسه قد ربح لبنان وهو يخسر في سوريا. كأننا نتحدث عن عودة وصاية النظام الذي أُجبرت قواته على مغادرة لبنان في الوقت الذي لم يعد موجوداً فيه في سوريا، لا يقلل من المعنى الفعلي لذلك أن تكون قيادة نظام الوصاية قد انتقلت علنياً إلى طهران.

اقرأ أيضًا: هكذا جمّد حزب الله التسوية كي نشهد آخر معارك الجنرال….

ما ترافق مع طرح تسوية فرنجية هو إكسابها صفة الاستعجال، وصولاً إلى القول بأنها فرصة لا ينبغي تضييعها أو المماطلة في تلقفها، وكما نعلم لم يحدث أي تطور لبناني دراماتيكي يستدعي ملء الشغور الرئاسي بعد تجاوزه مدة سنة ونصف. الاستعجال يتعلق تحديداً بالملف السوري وبعملية فيينا الخاصة به، حيث يُفترض، نظرياً أيضاً، أن تنطلق المفاوضات بين وفدي النظام والمعارضة في مطلع العام المقبل. على ذلك، من المفترض أن يدخل وفد النظام المفاوضات، بينما يكون حلفاؤه قد قبضوا في لبنان ثمن تنازلاته المرتقبة. بهذا نعود إلى الفرضية ذاتها التي سيقت مع انتعاش مفاوضات التسوية بالتزامن مع التدخل الروسي، فحينها رُوّجت فرضية تقوية الروس للنظام على حساب بشار الأسد، بل قيل إن تقوية بشار هي المدخل الضروري لتنحيته على نحو مشرّف. ومع أن الفرضية السابقة لم تثبت صوابها حتى الآن، إلا أن السير بها لبنانياً يصب في المنحى نفسه، أي بإهداء بشار شخصياً نصراً معنوياً بانتخاب صديقه، ولئن رأينا من قبل كيف استثمر بشار خساراته فقد رأينا من قبل كيف استثمر “النصر الإلهي” في حرب تموز، وكيف انطوى خطاب “نصره” على استعلاء غير محدود.

من هذه الوجهة الشكلانية فقط، وبصرف النظر مؤقتاً عن حقوق اللبنانيين، لو أن تسوية الإتيان بفرنجية إلى الرئاسة طُرحت بالتزامن مع رحيل بشار لكانت مفهومة، وربما مبررة على قاعدة يقينه بفقدان سنده السوري ما يجعله رئيساً ضعيفاً، ولا مبالغة بالقول إن مثل هذا التزامن يقتضي انعقاد البرلمان اللبناني لانتخاب فرنجية تماماً في الوقت الذي يكون فيه بشار قد وضع قدمه على سلم الطائرة. الأمر هنا يتعلق بضمانات دولية أو إقليمية طالما أُطيحت من قبل مانحيها، وعلى المتحمسين للتسوية رؤية السياق الغربي الحالي لتعويم الأسد، بما فيه منحه فرص الدفاع عن مجازره في الإعلام الغربي، فهذا السياق لا يوحي بالإبقاء عليه لفترة محدودة جداً في المرحلة الانتقالية.

اقرأ أيضًا: فرنجية غاضب من عون… ومن حزب الله

أبعد من ذلك، ما تقوله تسوية فرنجية هو أن الربط سيزداد بين لبنان وسوريا، بما ليس فيه مصلحة للطرفين. الدفع في لبنان والقبض في سوريا، إذا تم، لن يكون لمرة واحدة، فهذه الصفقة تلحق الملف السوري باللبناني من حيث وقوعهما سوية تحت مساومة خارجية مستدامة، سيكون من أحد شروطها دائماً إمكانية الدفع في واحد منهما والقبض في الآخر، ولا يُستبعد أن يصل الأمر لاحقاً إلى مقايضة وزارة في سورية بأخرى في لبنان أو العكس. قد لا تصل التسوية إلى كتابة اتفاق طائف سوري، لكن روحية الطائف لن تكون غائبة لتضيف عبئاً جديداً على الطائف اللبناني المتعثر، ولن يجد السوريون واللبنانيون فكاكاً لوقت طويل من الاستقواء على لبنان بسوريا والاستقواء على سوريا بلبنان.

تحت لافتة مبدأ “لا غالب ولا مغلوب” يُسوّق تقاسم النفوذ، وتُطبّق القاعدة فقط على القوى الدولية والإقليمية، وتُمرر فكرة منح الضمانات للطرف الذي لا يحتاجها حقاً سوى لمنع التغيير والتهرب من المساءلة. لا عجب إذاً حتى إذا قرأنا تحليلات تنص على أن انتخاب فرنجية هو تطمين لعلويي سوريا، فتقاسم النفوذ يطيح الحدود الدولية أيضاً، ولو كان دعاة التسوية إلى أمد قريب من الدعاة المتحمسين لترسيم الحدود بين سوريا ولبنان. النكاية الكبرى هي في حدوث مثل هذه التسوية بعد ثورة شعبية في سوريا وبعد حراك شبابي لبناني، مهما قيل في نقده، يعد مؤشراً على انقضاء حقبة يُراد تجديدها الآن. نعم، في التسويات الوطنية الكبرى، لا غالب ولا مغلوب فيما ينبغي أن تكون عليه الحقوق في نظام يكفلها للجميع، وضمن كل بلد على حدة. هذا ينطبق على سوريا مثلما ينطبق على لبنان، ولا يلغي حتى حقوق أولئك الذين زُجّ بهم في معركة غير وطنية، فعندما يعود مقاتلو حزب الله من حقهم مساءلة قياداتهم عن ثمن “تضحياتهم” في سوريا، ومن الإنصاف ألا يجدوا الجواب المضلل جاهزاً، الجواب الذي يقول: لقد انتصرتم وأتيتم بفرنجية رئيساً.

(المدن)

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الأربعاء في 9 كانون الاول 2015
التالي
مرشّح تسوية أم مرشّح الأسد؟