الطلاق الغيابيّ… عقاب شرعي ضدّ المرأة!

الطلاق
من القصص هناك الكثير.. معظمها بل جلّها مأساوية، وهي قصص تنقل لنا ظلم المجتمع للمرأة، وظلم الشريعة المطبق في المحاكم الجعفرية، خاصة بوجود ما يُعرف بالطلاق الغيابي... فما هو هذا النوع المميز!؟

منذ بداية عهدي بمشاهدة المسلسلات التركية المدبلجة لفتتني مسألة مهمة جدا في المجتمع التركي. وكنت أشعر فيها بسعادة. إنها مسألة توافق الزوجين على الطلاق، وعدم جعل القرار بيد طرف واحد، كما هو حال المجتمعات العربية.

فكما هو حال ضرورة االموافقة في عملية الزواج والارتباط، كذلك هو الحال في مسألة الطلاق. لكن في لبنان ولدى المحاكم الجعفرية هناك ما يُعرف بالطلاق الغيابيّ!

أي انه يحق للرجل أن يطلّق زوجته دون أخذ رأيها أو مشورتها. وأيضا يحق له أن يرجعها الى ذمته (!!!) دون موافقتها وذلك لمجرد رغبته بالعودة عن الطلاق خلال العدّة والتي هي 70 يوم تقريبا.

“زهرة” امرأة متزوجة ولديها عشرة أولاد. أكبرهم في الخامسة عشرة وأصغرهم بعمر الأشهر. قرر الوالد، وبسبب خلافات مستمرة بين الطرفين، وتدّخل أهله ان يُطلّقها.

قصد منزل الزوجية في قريته معكتفا دون أن يقوم بالتواصل مع أولاده الذين يقيمون في بيروت مع والدتهم. وقصد إحدى المحاكم الشرعيّة الجعفرية، واستحصل على طلب طلاق زوجته.

بعد فترة من الزمن قصدت “زهرة”، حاملة ابنها الصغير، القرية لتتفقد زوجها إلا أنها تفاجأت بأنه رفض استقبالها في منزلهما الذي بنياه سوية بعرق الجبين، وتعب السنين، والذي لا زالا يؤسسانه تدريجيا. وطالبها بالخروج من المنزل لأن ورقة طلاقها موجودة عند مختار البلدة، المختار الذي أخفى الأمر عن عائلة “زهرة” إنطلاقا من عادات شعبية تستنكر ذلك وإحتراما لأهل المُطلّقة.

خرجت “زهرة” من منزلها الزوجيّ الذي كدّت وتعبت في بنائه مع زوجها طيلة سنين، “بشحطة قلم” من قاض لم يردعه أي خوف على تشتت العائلة.

رمى الزوج ثياب “زهرة” أمام باب المنزل وصبّ عليهم “كاز” وحرقها، كما منعها من أخذ ممتلكاتهاا الشخصيّة التي جلبتها معها من منزل أهلها. ومنع أولادها من رؤيتها أو إلقاء التحيّة عليها.

مرّت سنوات “زهرة” الأولى بصعوبة شديدة صدمها موقف رجال الدين والقضاء الشرعي الجعفري، ما دفعها لأن تتخلّى عن حجابها التقليدي وتخلعه، كما ارتفعت حدة غضبها وتهجمّها على كل قاض يُقدم على تشريد عائلة دون أي ذنب.

وما تألمت له “زهرة” كثيرا هو تحميل أهلها لها مسؤولية الطلاق كاملة بسبب الخلافات ما كان من خلاف بينها وبين زوجها التي وصلت الى حد الإهانات المتبادلة علنا وأمام الناس.

لم يتدخل أحد لرأب الصدع وانقاذ الأولاد من التشرد، كما هي عادات أهل القرى الإصلاحية، خوفا من بطش الزوج القاسي والذي لا يلتزم بقواعد مجتمعيّة معينة ومحددة ومتعارف عليها.

الطلاق

طرد الزوج الصبيّين الكبيرين من المنزل، وكذلك فعل مع الابنة الكبرى المخطوبة. وحاصر الصغار مانعا إياهم من الخروج من المنزل فباتوا أشبه بعمال حجارة في معمل آسيوي، هزلاء كالمشردين والأيتام، وراح الأب يبحث بمساعدة قريباته عن زوجة جديدة دون أي وجل أو خوف على الأولاد. بل إرتكب جريمة أخرى حين منع الأولاد الصغار من إكمال تعليمهم في المدرسة الرسمية. فباتوا أمييّن. ومن كان من الأولاد يُتقن القراءة نسيها تماما لانهم كانوا حين طلاق والديهما لا يزالون في المرحلة الإبتدائية.

اقتربت زهرة من حال الجنون والهستيريا وهي التي- فجأة بين ليلة وضحاها- باتت دون أولاد ولا منزل ولاعائلة، بل مشرّدة وضيفة في منزل لم يحتضنها ولم يراع مصيبتها الجديدة.

راحت تفتش عن عمل، وهي الأميّة، التي لا تُتقن فك الحرف ولا أية مهنة مهما كانت بسيطة. دخلت في بعض المهن كالخياطة، والتي كانت رائجة جدا خاصة تلك المعامل التي كانت تصدّر بضائعها الى دول الخليج العربي، لكن راتبها الشهري لم يكن ليكفي بدل إيجار غرفة في حيّ شعبيّ مكتظ.

تنقلّت من بيت الى بيت. حاولت وحاولت أن تتأقلم مع حياتها الجديدة، لكن المال كان يقف عائقا امامها. احتضنت ولديها الذين طردهما أبوهما من المنزل، لكنها لم تسستطع معهما بناء حياة جديدة، وهي التي كانت تملك السلطة والمال في منزلها، فباتت تحت رحمة غلة إبنيها الإسبوعية البسيطة.

وفي استفاقة على وجعها الذي حاولت نسيانه طيلة سنوات ما بعد الطلاق الغيابي ، أخذت تبحث عن القاضي الذي ارتكب فعلته الشنيعة دون أي وازع. وكان ان اهتدت اليه، وعندما سألته عن سبب فعلته هذه، قال انه هُدد بالسلاح من قبل أقارب الزوج الحزبيين.

اليوم وبعد مرور أكثر من 25عاما على تشرّد عائلة مكونة من عشرة أفراد لا تزال “زهرة” تدفع ثمن خوف القاضي، وتواطؤ الشرع الإسلامي، وخبث المجتمع الموجّه ضد المرأة.

وقصتها اليوم أكثر مأساوية من بدايتها، حيث لا تزال زهرة الى اليوم تنتّقل من منزل الى آخر، توزع وقتها بين أبنائها وإخوتها وأخواتها، مشرّدة بالمعنى العاطفيّ والنفسيّ. وهي اليوم بعمر الجدّات اللواتي من الواجب تكريمهن واحتضانهن.

السابق
انتقدوا فستانها المثير… ففاجأتهم هيفا بردّها الجارح!‏
التالي
سيلفيا يمين… ملكة الجمال والذكاء!