سايكس بيكو: هل سيعيد التاريخ نفسه؟

خريطة سايكس بيكو
سايكس بيكو ٢، شرق أوسط جديد، تقسيم المنطقة، وغيرها من التسميات التي يزداد تردادها يوماً بعد يوم في الآونة الاخيرة، جميعها تدل على شيء واحد، الاقتصاص من المشرق العربي، من شعبه، ومن موارد أرضه ومن اقتصاده ومن استقراره ومن جميع مكوناته.

في العام ١٩١٦ وقعت اتفاقية سايكس بيكو بين الدول الكبرى وتقاسمت النفوذ فيما بينها في المشرق العربي.

قسمت الاتفاقية البلدان العربية شرقي المتوسط الى اربعة مناطق.

– المنطقة الزرقاء: تشمل الساحل اللبناني- السوري من الناقورة حتى كيليكيا تخضع للسيطرة الفرنسية المباشرة.
– المنطقة الحمراء: تشمل ولايتي البصرة وبغداد، تخضع للسيطرة البريطانية المباشرة.
– المنطقة السمراء: تشمل فلسطين وتكون منطقة دولية حيادية.

كما تم الاتفاق على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها. أما في الداخل، فتنشأ دولتان عربيتان، دولة “أ” و”ب”. الدولة “أ” وتضم ولايات حلب ودمشق والموصل، ويكون لفرنسا مركز ممتاز فيها. وبالنسبة للمنطقة “ب” فتمتد بين الدولة “أ” وحدود نجد والحجاز وتحصل بريطانيا على مركز ممتاز فيها.

سايكس بيكو

في العاشر من أيار عام ٢٠١٤، خلال الحرب السورية، اقتحم تنظيم “الدولة الاسلامية” مدينة الموصل ما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من سكان المدينة إلى المناطق المجاورة، واتخذ التنظيم من مدينة الأنبار – الفلوجة، التي تبعد مئة كلم عن العاصمة بغداد، مقرا له. كان غزو الموصل أول سقوط لسايكس- بيكو اذ تمكن التنظيم من إسقاط الحدود بين المنطقة “أ” والمنطقة “ب” وفقا للخريطة التي وضعت على ضوء الاتفاقية.

حاول داعش التقدم بعد احتلاله الموصل باتجاه عاصمة العراق، سعياً لتوسيع نفوذه في البلاد واستكمالاً لبناء دولة الخلافة التي تحدث عنها، إلاّ أن تصدي القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي استطاع منعه من السيطرة على المدينة، ولكن تبقى مدينة بغداد هدفا للتنظيم، وإن احتلها يكون قد أزال الحدود بين المنطقة “ب” والمنطقة الحمراء الواقعة تحت الادارة الفرنسية المباشرة.

داعش النصرة

في صيف العام ٢٠١٤، اندلعت اشتباكات بين عناصر “جبهة النصرة” و”داعش” من جهة والجيش اللبناني من جهة أخرى، وذلك على خلفية توقيف أحد عناصر المجموعات المقاتلة من قبل الجيش اللبناني.

فشل التنظيم باقتحام لبنان ولكنه يحاول مراراً وتكراراً التوغل نحو الداخل اللبناني عبر الشرق، كما تفيد بعض المعلومات بأنّ داعش يسعى للدخول الى لبنان من ناحية الشمال عبر مدينة حمص. إن نجح التنظيم باجتياح لبنان وامتداده الى الساحل اللبناني يكون قد استكمل مشروعه التوسعي وأطاح بثالث منطقة وفق الاتفاقية وهي المنطقة الزرقاء الخاضعة للادارة الفرنسية المباشرة. كل هذه التحركات العسكرية التي يقوم بها التنظيم على صعيد المنطقة تنذر باتفاقية جديدة أو تقسيماً جديداً. كما أن قيام “الدولة الاسلامية” بهدم وتدمير كنائس وجوامع وحضارات الشعوب القديمة يؤكد صحة هذا الكلام إذ إنه يمحو حضارات قديمة قد تكون بداية لترسيم جديد.

نعم، إنّه ليس فيلماً سينمائياً أو مسلسلاً، بل هو واقع مرير ومأساة حقيقية يعيشها المشرق العربي وكل المعطيات تفيد بأن الحريق المشرقي المشتعل ستمتد نيرانه إلى دولاً مجاورة وسيستمر وقت طويلاً وسيصعب اطفائه.

ربما تكون آلة القتل المسماة بتنظيم “الدولة الاسلامية” أو “داعش” حبر القلم الذي سترسم به الحدود الجديدة لدول المشرق العربي، وبه قد توقع اتفاقية جديدة تكون بمثابة سايكس- بيكو ٢ تضاف دول جديدة وتلغى أخرى، قد تتغير تركيبة دول معينة وقد تبقى على حالها، إنما المؤسف هو أنّ التاريخ سيعيد نفسه، وإن الشعوب والدول نفسها ستعيد الأخطاء عينها وستقدم ذاتها من جديد على طبق من ذهب للدول الطامحة للنيل منها.

فليس صدفة، وبعد مرور مئة عام على اتفاقية سايكس- بيكو، أن يظهر التنظيم من جديد ويزيل الحدود السورية – العراقية ويعلن “الخلافة الاسلامية” ويخطط لإزالة باقي الحدود. قد تكون أهداف التنظيم إنشاء “خلافة إسلامية” ليست مزيفة، فهي هدف عناصره ومضمونها العقيدة التي يؤمنون فيها، مع العلم أنّ تنظيماً إرهابياً ذات قدرات ضيئلة من المستحيل أن يحتل بلداناً عدة ويهزم أقوى جيوش العالم لينشىء خلافة إسلامية لا ترضى بها أي دولة أكانت مسيحية، علمانية أو حتى اسلامية .

سايكس بيكو ٢، شرق أوسط جديد، تقسيم المنطقة، وغيرها من التسميات التي يزداد تردادها يوماً بعد يوم في الآونة الاخيرة، من اجل غاية واحدة، الاقتصاص من المشرق العربي، من شعبه، ومن موارد أرضه ومن اقتصاده ومن استقراره ومن جميع مكوناته.

ها هي الدول الكبرى تسدد رمايتها مستهدفة شباك العرب، وتسجل هدفا تلو الآخر، وها هو الحارس العربي يقف أمام مرماه وكأنه زائر غريب،

يتلقى كرة تسبق الاخرى.

من هنا يطرح السؤال نفسه، هل ستتحقق مقولة “التاريخ يعيد نفسه”، أم سيعيد الشعب العربي حساباته ويقف سداً منيعاً أمام المخططات العبثية؟

اقرأ أيضاً: سايكس-بيكو ٢٠١٦: مشروع تقسيم المنطقة الجديد

سايكس بيكو 2، حقيقة أم خيال؟ فلنفسح المجال أمام التاريخ كي يخط مستقبل منطقتنا المنكوبة، عسى أن تهب عاصفة سلام تقتلع الارهاب والقتل والدم من الجذور.

السابق
نجل الوزيرة شبطيني في ذمة الله
التالي
العصبيات تتفوّق على النفايات