هل تراجعت السعودية سورياً؟

نديم قطيش

سياق اللقاء بين ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يكمن بأهمية مضمون المحادثات ونتائجها التي لن تتسرب بسهولة الى الاعلام.

الاشارة الابرز حيال المضمون كانت في تصريح وزير الخارجية عادل الجبير بعد اللقاء أن الرياض تريد “حكومة انتقالية في سوريا تؤدي في النهاية إلى رحيل الأسد”، وهو ما يشكل تعديلاً، جدياً وإن لم يكن جوهرياً، في الموقف السعودي السابق، القائل بوجوب رحيل الاسد فوراً ونقل صلاحياته الى حكومة إنتقالية. لا يزال الموقف السعودي أن لا مستقبل للأسد في سوريا.

“المرونة” السعودية التي عكسها موقف الجبير تفيد أن المحادثات الروسية السعودية تتقدم بموازاة استمرار الحذر السعودي من أهداف موسكو من التدخل العسكري في سوريا. السجل السياسي للرئيس الروسي يفيد أن الرجل يجيد لعبة الخداع والتضليل السياسي والاعلامي… ويكذب!

فعلها في أوكرانيا ولن يتردد في أن يفعلها في سوريا ما لم يكن قد كذب حتماً حتى الآن.

الأهم أن الموقف السعودي محكوم بسياق لا ينبغي إسقاطه في مقاربة السياسة السعودية وهي التأكيدات اليومية أن أميركا باراك أوباما خارج الشرق الاوسط وحروبه. أي متابع للسجالات السياسية في واشنطن والاوراق السياسية المتدوالة يعرف أن الفريق الأقرب الى “فكر” أوباما بات الفريق الداعي الى “سياسة خفض النزاع في سوريا بما تيسر من اتفاقات وقف اطلاق نار متناثرة وتأجيل البحث في رحيل الاسد”. وهو فريق يتصدره روبرت مالي، العضو رفيع المستوى في مجلس الأمن القومي الأميركي، على حساب كل من وزير الخارجية جون كيري ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سامنتا باور.

قبل ايام اعلن البنتاغون وقف برنامج التدريب للمعارضة المعتدلة، والأنباء الواردة من واشنطن تفيد ان بند إنشاء منطقة عازلة في سوريا شمالاً بالتعاون مع تركيا، او تفعيل جبهة الجنوب بالتعاون مع الاردن “لهز النظام في دمشق وجلبه الى طاولة التفاوض”، كما تقترح اصوات مهمة في جهاز الاستخبارات المركزية، كلها إقتراحات تسقط على اسوار المكتب البيضاوي في البيت الابيض!

بهذا المعنى تتعامل الرياض مع امر واقع أقليمي معقد وتمشي على درب التأقلم مع حقائق سياسية مستجدة في ادارة النزاعات في الاقليم، تتناسل من هذا الانسحاب الاميركي ومنها صعود الدور الروسي.

يقول مصدر سعودي أن حكومة بلاده تلمس من خلال اللقاءات والاتصالات مع موسكو، شهية بوتين “لإذلال” واشنطن كلما سنحت الفرصة، من دون ان يعني ذلك ان السياسة الروسية تهدف لتثبيت نفوذ محور المقاومة في ساحات الاشتباك على حساب المصالح السعودية خاصة والخليجية عامة.

على هامش مؤتمر نظمته “مؤسسة بيروت” ورئيستها الاعلامية راغدة درغام في أبوظبي، تحدثت الى الجنرال دايفيد بترايوس، الذي يعد واحداً من أبرز “المثقفين” بين النخبة الأميركية اليوم. يقول بترايوس أنه في ميادين الحروب، قد تخسر الجيوش خسارات حاسمة، لكنها لا تربح الحروب بشكل حاسم الا بقدر ما تستكمل انتصاراتها العسكرية بإنتصارات في السياسية. اي ان وظيفة العسكر، خلق بيئة حاضنة للحل السياسي وتوفير مكونات ميدانية لطبخة الحل، مؤكداً آن كل إنتصار لا يستكمل بالسياسة لا يعول عليه ويكون عرضة للتبدد السريع.

هذا جانب تدركه الرياض جيداً وتعرف أن العمليات التي تقودها في اليمن وتلك التي تقودها موسكو في سوريا تعني ان الطرفين في حاجة ماسة لبعضهما البعض في مراحل لاحقة لن تكون بعيدة، وان تقاطع المصالح بينهما يوفر ارضية عريضة لاتفاقات وتفاهمات عميقة.

في إطلالة اعلامية قبل يومين في الاعلام المحلي الروسي قال بوتين انه ما كان ليدخل في هذه المغامرة السورية لو لم يلمس مرونة عربية حيال خطوته. حين الح عليه المحاور أن يسمي هذه الجهات المرنة، سائلاً ما اذا كان يعني مصر، قال بوتين مصر وغيرها. وأضاف “أنصحك بمتابعة سجل الزيارات واللقاءات التي عقدناها في الاشهر القليلة الماضية”!

(المدن)

السابق
من بشار الإيراني إلى بشار الروسي
التالي
«حزب الله» يشيع أحد كبار قادته العسكريين