اللحظات المصيرية في ١٣ تشرين.. ابو جمرا ومعلوف «هكذا انتهى كل شيء»

13 تشرين الاول 1990، قد يكون يومًا عاديًّا لأي دولة في العالم، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة إلى لبنان. ففي ذلك اليوم دخل لبنان مرحلة جديدة على صعيد الحياة السياسية بعد 15 عامًا من الحروب الداخلية. هو تاريخ نصر لبعض من اعتبر منتصراً ولبعض آخر ربح يومها وخسر لاحقاً.

اما الخاسر الأكبر فكان لبنان، ففي هذا التاريخ سقط عشرات الشهداء من العسكريين لأنهم رفضوا الاستسلام لجيش محتل، وعشرات الشهداء من الابرياء دفعوا ثمن اتفاق الامم على لبنان. لا شكّ في انه تاريخ سُطِّر بالدماء، حتى المحتلون سقط منهم العشرات، ولم يكن دخولهم المنطقة التي كانت تحت سيطرة العماد ميشال عون والقصر الجمهوري ووزارة الدفاع مجرّد نزهة. لم تكن إزاحة العماد عون من بعبدا عملية سهلة، لولا ضوء اخضر أعطي للنظام السوري آنذاك بقيادة الرئيس الراحل حافظ الاسد لإنهاء حالة عون “الشاذة”، بحسب الوصف في تلك المرحلة. وأكدت الاحداث التي رافقت دخول الجيش السوري الى بعبدا، ان قرارا دوليا اتخذ لإنهاء زمن عون، ولعلّ الدليل الاوضح كان سماح اسرائيل للطيران السوري بخرق الاجواء والوصول الى بعبدا لضرب القصر الجمهوري حيث يتحصّن عون، طبعًا تحت مراقبة الطيران الاسرائيلي الذي كان يحلّق فوقها.
ماذا جرى في ذلك اليوم؟ كيف انتقل عون الى السفارة الفرنسية؟ وهل سلّم السلطة؟
عضوا حكومة العسكريين الموقتة برئاسة عون، العماد عصام ابو جمرا والعماد ادغار معلوف، والتي تسلّمت السلطة من الرئيس امين الجميل ليل انتهاء عهده، تحدّثا إلى “النهار” عن ما يتذكراه من هذا اليوم، علماً ان كلاً من الرجلين بات على ضفة مختلفة من الولاء لعون اليوم.

13 تشرين الاول

ابو جمرا: ضوء أخضر لضربنا
العماد ابو جمرا يتذكر ذلك اليوم لحظة بلحظة، لم ينسَ كيف استفاق على صوت القذائف التي انهمرت على قصر بعبدا ومحيطه، وصولاً الى مساكن الضباط في منطقة مار تقلا. صحيح ان معلومات وصلت إلى القيادة ان هناك عملية تحضّر للهجوم على المنطقة، لكنهم لم يعلموا ان قرارًا دوليًّا اتخذ في هذا الشأن. وقال ابو جمرا :” علمنا باقتراب سوريا من مراكزنا على الجبهات، لكننا لم نعلم أن الدول ذات المصلحة من اميركا والفاتيكان وفرنسا وحتى اسرائيل قد وافقت على انهاء هذا الكيان الذي أسسناه، في الساعة السابعة صباحا بدأت تصلني اخبار عن تحرّك القوات السورية باتجاهنا وبدء الهجوم، وكان واضحًا من خلال الاصوات التي سمعناها انه سمح للطيران السوري بالوصول الى بعبدا، ما يعني ان ضوءًا اخضر اعطي للسوريين للتحرك، فاتصلت بالجنرال عون، فقال لي:” الامور اصبحت منتهية ويبدو انهم سمحوا لهم بضرب بعبدا”، فقلت له ماذا علينا ان نعمل، فقال: “اتصل بالسفارة الفرنسية وبالوكالة الوطنية لمهاجمة ما يحصل”، وبالفعل اتصلت بالسفير الفرنسي وطلبت منه ان يحرّك دولته، وسألته كيف يسمحون لسوريا بمهاجمة القصر الجمهوري ونحن نتمتع باعتراف رسمي بوجودنا، ومن ثمّ اتصلت برفيق شلالا وقلت له ان يهاجم العملية في نشرة الاخبار، ويدعو المسؤولين في لبنان ودول العالم الى التدخّل ووقف العملية”.

انا مطلوب
وفيما كان ابو جمرا ينفّذ ما طلبه منه العماد عون، توجه الأخير في موكب عسكري الى السفارة الفرنسية التي طلبت منه ذلك. وأضاف ابو جمرا: “في الساعة 7:20 اي بعد عشرة دقائق عاودت الاتصال بالعماد عون فقالوا لي انه توجه الى السفارة، ولم اتمكن من الخروج من المنزل بسبب كثافة القصف الذي استهدف المنطقة، وفي الساعة الثامنة والنصف تقريبا اتصل بي السفير الفرنسي وقال:”العماد عون موجود هنا وعليكم المجيء كي تصدروا بيانًا تعلنوا فيه ان الشرقية أصبحت بعهدة السلطة في المنطقة الغربية”، لكنني لم اتمكن من الوصول الى هناك بسبب القصف قبل الساعة العاشرة، وعندما وصلنا وجدنا ان السفارة قد ضربت ايضا، ونزلنا الى الملجأ حيث كان الجميع، وعلمنا ان العماد عون قد أذاع البيان، لكنهم طلبوا منه إعادته من السفارة، وبقينا هناك جميعا خصوصا بعدما اتصل ضابط من وزارة الدفاع، وطالبني بمغادرة السفارة لأن اسمي واسم معلوف موجودان على لائحة المطلوبين، ولاحقا عند الثانية من بعد الظهر تقريبا وصلت عائلة الجنرال عون الى السفارة برفقة ايلي حبيقة”.

الجيش السوري لبنان

معلوف: كنا نعلم بالهجوم
ما عاشه اللواء ابو جمرا لا يختلف كثيرا عن اللحظات التي مرّت على اللواء معلوف في ذلك اليوم. ووفق ما يذكر انه في ذلك اليوم استفاق على أصوات المدفعية التي دكّت القصر الجمهوري ومنطقة مار تقلا حيث مساكن الضباط. وقال لـ”النهار”: “حوالي السابعة والنصف استفقت على اصوات القصف لا اذكر إن كان مصدره المدفعية ام الطيران، لكن بالتأكيد ترافق مع ضرب الطيران لقصر بعبدا، فاتصلت على الفور بالجنرال عون فقال لي ان “الهجوم بدأ وقصف الطيران السوري القصر الجمهوري،والحمدالله لم يصب احد، وانا سأتوجه الى السفارة الفرنسية لأن السوريين وحكومة الغربية طلبوا ان يحصل تصريح الجنرال هناك ويسلّم السلطة”. وكنا نعلم مسبقًا بعد أن وصلتنا معلومات ان هناك هجومًا يحضره السوريون باتجاه منطقتنا، وبعد انتهاء الاتصال مع الجنرال اشتد القصف من كل الاتجاهات، وكأنهم كانوا يعلمون ان الجنرال سيتوجه إلى السفارة التي تقع في مار تقلا، ولم أتمكن من الخروج من ملجأ المبنى الذي أسكن فيه الا بعدما اصيب منزل العميد خوري الذي يقع تحت منزلي لأنني علمت انهم يريدون استهدافي فقرّرت حينها الخروج، كي لا اكون سببا في مقتل السكان الآخرين الموجودين في الملجأ”. وعند خروجه من الملجأ اتصل بالقصر الجمهوري، فقالوا له ان الجنرال اصبح في السفارة، فقرّر التوجه الى هناك.

images_1_1_373629_large

استهداف السفارة
وعندما وصل معلوف الى السفارة وهو في طريقه الى مكان وجود عون والسفير سقطت قنبلة في وسط المكان. وأوضح: “ما ان وصلنا الى السفارة حتى قصفت، وعندما رأيت الجنرال سألته لماذا لم يتوقف القصف بعد، فقال: “الاتفاق كان يقضي بوقف القصف عقب تصريحي، لكن يبدو انهم لم يحتلوا القصر الجمهوري بعد”، وكان السفير يحاول الاتصال بحكومة المنطقة الغربية، لكن لا احد كان يجيب، ولاحقا قطعوا الاتصالات بين الغربية والشرقية ولم يعد باستطاعتنا الاتصال بأحد”.

 

انتم شجعان ولستم اغبياء
وعندما دخلت القوات السورية الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع في اليرزة، توقف اطلاق النار على المنطقة التي اصبحت تحت سيطرة القوات السورية بالكامل. في هذا الوقت هرب عدد من الضباط من وزارة الدفاع كي لا يقعوا في الأسر. وقال :” بعد دخول القوات السورية الى وزراة الدفاع، لم يعتقلوا كل الضباط الموجودين لأن البعض منهم هرب كي لا يقع في الأسر وتوجه الى السفارة الفرنسية لعلمه ان الجنرال عون موجود هناك، وعند توقف القصف خرجنا برفقة الجنرال والسفير الى الخارج واذ يصلنا خبر ان هناك ضباطا على مدخل السفارة، فسمح السفير بدخولهم، واخبرونا ان وزارة الدفاع اصبحت بيد السوريين وانهم اعتقلوا ضباط الشعبة الثانية والعمليات ويبحثون عنكم لاعتقالكم ، عندها قاطعنا السفير الفرنسي بعدما علم بالامر وقال لنا : “اعلم انكم شجعان لكن لستم اغبياء لتخرجوا من السفارة ابقوا هنا”. واكمل معلوف:” استهداف السفارة بالقنابل أقلق السفير الفرنسي وبعد ورود معلومات تؤكد انهم قد يقتحمون السفارة، اجرى الاتصالات واتخذ الاجراءات الكفيلة بعدم حصول ذلك”. وعُلِم لاحقا ان الضباط الذين اعتقلوا توجهوا بهم الى سوريا.

بعد 25 سنة
ابو جمرا، احد اعمدة السلطة التي كان يمثلها عون في السابق، واليوم احد اشد معارضي نهجه السياسي، قال عن ذكرى 13 تشرين الاول :” لم يسقط مشروعنا في ذلك اليوم، لاننا كنا نعلم ان وجود الجيش السوري في لبنان موقت ولن يدوم، وبقيت معنوياتنا عالية ونحن موجودون في السفارة وحتى عندما نفينا قسراً الى فرنسا 15 عاماً، لكنني مصاب بخيبة امل من بعض الذين يسمون انفسهم زعماء، ويرهنون انفسهم لدول خارجية لمنافع مالية”.

معلوف، عضو حكومة العسكريين بقيادة عون، والنائب الحالي في كتلة “التغيير والاصلاح” النيابية، يستذكر ذلك اليوم قائلا:” صحيح اننا خسرنا معركة، لكننا لم نخسر الحرب، لم يكن لدينا احلام سلطوية بل اردنا الدفاع عن لبنان، ما حصل في ذلك يوم اتفاق اممي علينا، سمح من خلاله بتخطي كل الخطوط الحمر التي كانت موضوعة، وذلك فقط لانهائنا وتسليم لبنان لحافظ الأسد”.

(النهار)

السابق
حكي جردي: سيرة «ناقصة» لوزير داخلية
التالي
إنها أكبر… إنها أخطر