قمة الطرافة

السيد حسن نصر الله

بعد أسابيع على  اغتيال مؤسس جريدة “الحياة” كامل مروة في 16 أيار 1966 صودف وجود أمين عام منظمة العمل الشيوعي محسن ابرهيم ومنح الصلح في ردهة فندق “هيلتون” في القاهرة فقال ابراهيم لمنح بك: “هل تدري أن الرئيس عبد الناصر أبرق معزياً بكامل مروة في اليوم التالي للجريمة؟”. وضحك البك وقال: “إحمد ربك أن البرقية لم تصل قبل الاغتيال بيوم”! وقد كرر ابراهيم على مسامع الرئيس عبد الناصر ما قاله البك فضحك سيادة المشير.

هذا ما كتبه سمير عطالله في مقال قديم إستذكر فيه مروة، كتب المقال قبل أن يستقيل اليك من جلسات ال”سيتي كافيه” ومن الحياة برمتها.

الظرف عند رجال السياسة في لبنان والمهجر عملة نادرة. نبيه بري شخصية سياسية ظريفة. وليد جنبلاط كذلك خصوصاً متى تحدث عن أوسكار ومتى أوغل في المزاح على تويتر. ومن بين رؤساء الجمهورية لم يفقد الرئيس كميل شمعون حس الفكاهة حتى أيامه الأخيرة ويُروى عنه أنه بعد محاولة اغتياله التي أودت بأحد مرافقيه، في منطقة الدورة في 12 آذار 1980، أوقف عبدو جابر سيارة تاكسي لتقلّ فخامة الرئيس، الذي أصيب بجروح بسيطة، إلى المستشفى. جلس الرئيس شمعون في المقعد الخلفي. انطلق السائق بأقصى سرعة. وضع الرئيس شمعون يده على كتف السائق قائلاً له: “حبيبي لم أمت في الإنفجار ولا أود الموت معك”.

وللرئيس شمعون ألف قصة لا تخلو من سلاطة اللسان وحدة الذكاء.

ويُروى عن النائب شهيد الخوري (1909 ـ 1966) أنه في أثناء البحث عن أرض لتشييد مستشفى للمجانين وبعد تفاقم الخلافات الوزارية إقترح وضع سور حول بلدته عمشيت وتُحلّ المسألة.

من بين قادة العالم الظرفاء يلفتني ونستون تشرشل الحائز جائزة نوبل للآداب سنة 1953 والمدخن الشره (أقل شراهة من نجاح واكيم). كتب تشرشل ذات يوم “من يقرأ الكثير عن مخاطر التدخين لا بد أن يقلع يوماً عن القراءة”. ومن عباراته: “سيكون التاريخ لطيفاً معي فأنا أنوي كتابته”. و”كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها” ولا أدري حتى الساعة مستر تشرشل ماذا اقترف الشعب اللبناني؟

لنبقى في إطار الظرف. فوجئت الأسبوع الماضي بجانب غير مكتشف في سماحة السيد حسن نصرالله المعروف عنه التواضع الجم والقيادة الفذة والقدرة الهائلة على التأثير والتعبئة والتعبير إلى الرصانة والعزم وصلابة الموقف والوفاء. أما الجانب المكتشف ـ عبر الإعلام ـ فهو حس الفكاهة. لعل كثيرين سمعوا سماحته يقول للأخ عماد مرمل “أن إيران لا تتدخل في أي شيء له علاقة في لبنان” أوليس في هذا القول ما يدعو إلى الضحك.

أسست الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام 1982 أكبر حزب “لبناني” وموّلته واحتضنته كمقاومة حصرية للعدو المتغطرس ودرّبت مجاهديه وأرسلت إليه الأسلحة شحنات شحنات من المسدسات إلى الطائرات مروراً بصواريخ خيبر التي لا تصنّع بالتأكيد في سويسرا. لا بل إن دخول “حزب الله” إلى الندوة البرلمانية تم بفتوى إيرانية!

وساهمت إيران مشكورة في حروب “حزب الله” كلها (كلها يعني كلها) وفي تخطي قاعدة سيادة الدولة على أراضيها.

كل ما سبق وإيران لا تتدخّل وعلى مسافة واحدة من الجميع. وما زيارات قاسم سليماني وقادة الحرس الثوري إلى لبنان الحبيب إلا لدواعي الإستجمام وحضور المهرجانات الدولية. ليه في أحلى من لبنان؟

 

السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الاثنين في 5 تشرين الأول 2015
التالي
الانتصار السوفييتي الضائع في أفغانستان… وسرابه في سوريا