اللواء جميل السيد: خذ موقفاً

جميل السيد
أصبح السرد هو العنصر الأغلب في مقابلات اللواء جميل السيد الإعلامية. حتى في مقاله الأخير في جريدة السفير، فقد طغى عنصر الوصف والسرد على الموقف المرتقب. فالرجل عبارة عن كنز مكنون من المعلومات يجعله يتحدث من موقع العالم بالحدث وما ورائه.

كان صاحب الأذن الأمنية التي يجب أن تسمع كل شيء، وصاحب العين التي تقرأ السياسة من معطيات الأمن وأحيانا بمقتضياته، ناهيك عن أن الرجل كان ناقل كلمات سر العهد السوري. الجميع يلتمس رضا اللواء جميل السيد، فهو روح القدس، والطريق الأقصر إلى الأب والإبن، إلا من كان يرى فيه ندّا مناورا لعلمه بخفايا الأمور، أو من كان يرى فيه خصمًا ومنافسًا محتملاً.

إقرأ أيضاً: كيف صالح جنبلاط جميل السيد ولماذا عباس ابراهيم بينهما؟

لم يتنكر اللواء السيد إلى عهد كان فيه سيّدًا، مارس خلاله ما يفوق رتبته وموقعه الوظيفي. وهو يعتبر أنًه كان في الموقع الذي يمثل اقتناعاته السياسية مؤكدا انتماءه إلى محور معيّن يجسّد تلك الإقتناعات. ورغم أنّ هذا المحور كان يضم في من يضم، أولئك الذين انقلبوا عليه فيما بعد، فإن المأخذ على “اللواء” هو مهاجمتهم بسبب انقلابهم هذا فقط، وكأنهم لو بقوا على ولائهم القديم لسقط عنهم العيب.

يلومهم ويتهكم عليهم لنقلهم البندقية، وهو يعلم، بأن فسادهم وأيديهم الملطخة بالدماء وعنصريتهم الطائفية هي نفسها عندما كانوا وبعدما صاروا. الفرق هو أن حصانة غازي كنعان وخلفه الصالح، كانت كافية لتمنع المحاسبة وتغفر الذنوب التي – حتى الله – لا يغفرها لأنها تتصل بحقوق الناس الآخرين.

جميل السيد في مقابلته الأخيرة على قناة OTV ، أصاب السيّد في انتقاده الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري فالحوار يجب أن يكون بين السلطة ومعارضيها لا بين مقتسميها. كما أصاب في تحديده أن نجاح الحراك المطلبي يعود بالدرجة الأولى إلى انقسام أهل السلطة على بعضهم. اما التغريدة التي نشًّز فيها السيد، فهي حرصه على الحصة المسيحية. حيث لم يسأله مضيفه الصحافي جان عزيز عن أي حصة يتحدث، عن إقصاء ميشال عون أو سجن سمير جعجع أم عن تعليب حزب الكتائب وخلق قيادات مسيحية بديلة أسقطت على الشارع المسيحي من اجل مداراة التشكيلة اللبنانية في صورتها الخارجية. اما أنا فإني أسأله كمواطن، هل كان سيظهر هذا الحرص كله لو لم يكن العماد عون هو من ينادي به؟ وهل كان سيحرص على الحصة المسيحية لحساب أي مسيحي؟؟

إن توجّهي للحديث عن اللواء السيد، إنما ينطلق من حرصي الشخصي على الإستفادة من شخصية تملك من الخبرة والصراحة ما يؤهلها للعب دور سياسي يتخطى المقابلات الإعلامية وحضور المناسبات العامة في الصفوف الأولى التي يتوسطها السيد حينا ويطرفونه فيها حينا آخر.

سعادة اللواء، الصدق ضمانة، وانت منسجم مع نفسك فيما تفعل، أخطأت أم أصبت. وتقول ما تضمر صوابا كان أم خطأ. وبما أن العمر يمضي مسرعا، وكنز معلوماتك الذي تمتلكه بات يخسر قيمته بمرور الزمن، ومكانك، ليس في صف المستوزرين والمستنوبين ولن يروك رئيسا. وبالقليل من الصراحة والمباشرة في القول، فإن الساحة ورغم حاجتها (للقوّالين) فإن القيمين عليها لا يفسحون مجالا إلا (للردّادين).

ان السير بين نقاط المطر، والحديث المتحفظ، والأصبع الذي يشير الى الآخر فقط، كل هذا، ربما يسفر عن الاتيان بك نائبا لإرضائك أو لإنهائك، لأنك عندها ستلتزم بالسير على الصراط وأخذ الإذن بالكلام، ولن يأتوا بك.

اللواء الركن جميل السيد، إن توجيه النقد إلى خصومك في المحور المقابل، معروف يقوم به زملاؤك بكرة وعشية. أما توجيه النقد البناء إلى البيئة التي تحتضنك سياسيا، فهو ما لا يقدر عليه زملاؤك وستسأل عنه يوما ما . فإما أن تخوضها ولو خاسرة، معركة ضد الفساد والإرتهان والبلطجة السياسية وتكون واحدا من قلة قليلة خسرت أم ربحت، وإما تبقى تعدّ الكلمات بحذر وتوجّه السهام إلى حيث لا تؤلم ولا تشفي، فتصبح ربما، واحدا من الـ«مئة والثماني والعشرين».

إقرأ أيضاً: هل بدأت الخلافات تعصف بناشطي «مظاهرة 29 آب»؟

السابق
اكسسوارات مبدعة للتخلص من الفوضى داخل سيارتك
التالي
هل هذا الطفل ابن الوسوف الجديد