قصة إيران والثوب والخيّاط

إيران تريد حواراً مع دول الخليج. كان هذا عنوان الخبر الذي نشرته «الحياة» أول من أمس، وتضمّن تصريحات منسوبة إلى معاون وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان. وهو قال إن طهران «اقترحت إجراء محادثات مع دول مجلس التعاون الخليجي في شأن كل القضايا المطروحة» لوضع «أسس جديدة للعلاقات العربية – الإيرانية بما يضمن إعادة الأمن والهدوء إلى المنطقة». وطالب السعودية بأن تتخذ «خطوات ديبلوماسية لاستغلال الأجواء المتوافرة من أجل خدمة مصالح البلدين». عبداللهيان لم يحدّد هل الحوار مع منظمة «مجلس التعاون» أم مع دوله. وأشك في أن تقيم إيران حواراً مع المجلس لأنها لا تعترف به، فضلاً عن أنها رفضت الحوار حول الجزر الإماراتية المحتلة مع وفد يمثل المجلس، وطلبت ان يكون مع دول فيه، وعلى رغم ذلك وافق بعضهم على الطلب، وتلك أزمة «مجلس التعاون». إيران تتعامل مع دول الخليج استناداً الى الآية الكريمة «تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى».

 

في حوار مع جريدة «الشرق الأوسط»، قال وزير خارجية قطر، خالد العطية: «وفق علمي، السعودية حاولت أكثر من مرة الدعوة إلى الحوار، لكن الطرف الإيراني سعى إلى تجنُّب أن يوضع على الأجندة الملف الأمني. هذا ما فهمته. ولكن إذا صفت النيات، يمكن أن نصل إلى نتيجة». في الحديث النبوي «إنما الأعمال بالنيات»، والمثل الشعبي يقول «النية مطية»، والمطلوب من إيران أن تحدد وجهة مطيتها، وإن فعلت فالسعودية ستكون مستعدة للذهاب الى ما هو أبعد من الحوار، وتطوير علاقات حسن الجوار، وهي فعلت سابقاً.

 

طهران تريد الحَور وتسميه الحوار، والحَور هو الرجوع، والنقصان بعد الزيادة، بتقرير من آيات القرآن الكريم، وفي الحديث «نعوذ بالله من الحَور بَعد الكَور»، بمعنى فساد الأمر بعد صلاحه. إيران تريد من الحوار التسليم لسياستها، وهذه ليست غاية الحوار الذي يُفترض أن يقوم على أساس الندّية ونزع الخلاف.

 

دعوات إيران إلى الحوار تذكّرنا بقصة أحد السلاطين مع خيّاط. تقول القصة إن أحد السلاطين احتال عليه خيّاط، وأقنعه بأنه سيصنع له ثوباً عظيماً، لا يراه سوى الحكماء من الناس. اقتنع السلطان بفكرة الخيّاط المحتال ومهارته، وخرج على وزرائه عارياً تماماً، وقال لهم: «انظروا، ما رأيكم في هذا الثوب السحري الذي لا يراه سوى الحكماء»؟ بعض الوزراء خاف من غضبه، فقال: «هذا ثوب مدهش يا مولاي». كان هناك شاب في القاعة، قال: «أين الثوب الذي تتحدثون عنه. إنني أرى السلطان عارياً». حاول الوزراء إسكات الشاب الصادق بأي طريقة، وهدّدوه، لكنه استمر يردّد: «إنني أرى السلطان عارياً»، فأخرجوه من المكان.

 

سياسة إيران تلبس ثوب الخياط الذي لا يراه إلا «الحكماء». والسعودية لم تصدّق قصة الثوب والخياط. وهي تتعامل مع دعوات طهران إلى الحوار على أنها كلام لا يستره أساس ولا مضمون.

(الحياة)

السابق
عذراً يا سيِّد المقاومة
التالي
في مديح «الرجعية العربية»: أحنّ على فلسطين من «الممانعة»