ماذا يجري في لبنان؟

في فيلم حروب صغيرة للراحل مارون بغداد، يحذر مقاتل رهينته من محاولة الهرب من السجن، وألا ينخدع بالهدوء المحيط بمكان إحتجازه. وليقنعه بزيف المشهد حوله، يحرر، على مرأى منه، حصاناً، ينطلق من مكان الإحتجاز بإتجاه الخارج، وما إن يعبر الى بقعة مفتوحة على الأبنية المحيطة حتى ترديه رصاصة قناص، يتردد صداها في الأفق. ينظر، حينها، المقاتل الى رهينته ويقول له “إنها بيروت. لا تثق بما تراه عيناك”!!

ونحن أيضاً، كحال هذه الرهينة. علينا ألا نثق بما تراه عيوننا في بيروت. فالمشهد مشهد نفايات، وروائح صفقات، ماضية وآتية. لكن الحقيقة في مكان آخر. والمشهد من زاوية ثانية، مشهد صلاحيات وحسن إدارة وتمثيل. لكن أيضاً الحقيقة في مكان آخر.

الأزمة المثارة حول جلسات مجلس الوزراء، وآلية عمل المجلس وطريقة وضع جدول الأعمال ومناقشة بنود من خارجه، والتي يتصدرها وزراء الجنرال ميشال عون، هي في الواقع أزمة-قناع لأزمة أعمق.

الصدارة العونية لمشهد الأزمة هي صدارة بالوكالة عن حزب الله الذي يخوض معركة دقيقة في قلب النظام اللبناني. ففي الوقت الذي يحتاج فيه حزب الله، لبقاء الحكومة وإستمرار عملها كضمانة أخيرة للإستقرار الهش في لبنان، يثابر، عبر عون ووزرائه، على نعي النظام وقدرته على الإيفاء بمتطلبات الشراكة الوطنية وفق معادلة الطائف. يبقي حزب الله هيكل النظام ويوكل الى عون تفريغه من الداخل، فيصيب عصفورين بحجر. لا يعرض لبنان للإهتزاز، كغرفة عمليات خلفية، تسند مجهوده الحربي في سوريا وغير سوريا، ولا يسمح للنظام بالإقلاع كأن شيئاً لم يكن في سوريا.

النقاش في آلية مجلس الوزراء هو نقاش في صلب النظام السياسي اللبناني وإختلاف عميق عليه وعلى شكله وبنتيه وعلى منطق الشراكة الطوائفية فيه. وما طرح الفدرالية عبر الجنرال عون، بما يخاطبه هذا الطرح من رغبات كامنة ومعلنة عند أفرقاء مسيحيين آخرين، سوى نوع من الطلقات التحذيرية التي، يُسرّ لها حزب الله. فهو، وإن كان غير متحمس للفدرالية، كما عبّر وحليفه الوزير سليمان فرنجية، الا أن الطرح بذاته يخدم الفكرة التي دأب عليها حزب الله منذ العام 2005، وهي التأكيد الدائم على وجود خلل في ميزان الشراكة في البلاد.

هذا في الحد الأقصى، وهو حد تغيير النظام وتجاوزه الى ما بعد الطائف بعد الضربة الموجعة التي حققها إتفاق الدوحة بإدخاله “مراسيم تطبيقية” خاصة في الدوحة ألحقت بالنص الاساسي وهو الدستور، وكان من بينها حصول الشيعية السياسية على الثلث المعطل في قرار السلطة التنفيذية.

أما في الحد الأدني، فتوفر الطروحات العونية، أكان طرح الفدرالية أم المجاهرة الصافية بأزمة الشراكة، بما تفرزه من نتائج تعطيلية، عدة شغل إضافية لحزب الله للإستمرار في أخذ البلاد رهينة، تبقى بتصرف لعبة شد الحبال بين السعودية وإيران وحسابات المنازلة والتسوية في الإقليم.

يختبئ حزب الله خلف عون، ويخوض به، وبهواجسه، معركته داخل النظام السياسي، ومعركة إيران في توازنات المنطقة، وفي الأثناء يدعو له بالصحة وطول العمر.

(المدن)

 

السابق
«أنصار الله» و«حزب الله»: موت النموذج
التالي
لعلاقة جنسية أفضل: كُلوا هذه الاطعمة..