عن الأوهام حول حزب الله

على الرغم من انتشار العديد من الاقاويل والمعلومات والاخبار التي تؤكد استياء عدد من مناصري الحزب من الخسائر التي يتكبدها في سوريا، والكلام او بالاحرى الاشاعات عن اعتراض عدد من القياديين فيه على حجم الخسائر ومطالبتهم لقيادتهم بالانسحاب من الحرب السورية، الا ان اغلب هذا الكلام يتناقض مع الواقع.

اولا ان البيئة التي يعمل فيها حزب الله باغلبها غير قادرة على الاعتراض، ومن يعترض هم بحسب من يعرفون هذه البيئة جيدا، هم القادرين ماليا واجتماعيا وثقافيا على احتمال نتائج الاعتراض. لا اكثر، وفي المحصلة لن يكون هؤلاء اكثر من قلة وسط بحر البيئة التي يسبح فيها حزب الله. يتم عزلهم في النهاية عن البيئة الاوسع وتحصر اضرار مواقفهم عن باقي المؤيدين للحزب. مما يفقد اعتراضاتهم اي امكانية للتبلور او التأثير على الرأي العام في هذه البيئة.
اما واقع الامور فهو يشير الى عكس ذلك تماما

 

البيئة والانعطافة

لقد اتخذ حزب الله مسارا انعطافيا واسعا في بداية العام ٢٠١١، مع بداية الثورات العربية، وبغض النظر عن الترحيب اللفظي بالثورة المصرية، الا ان الحزب كان يتحضر لمرحلة طويلة وقاسية، وكان بحاجة لضمان اثمن ما يملك، ليس السلاح طبعا، بل جمهوره الذي يعيش ويتفاعل مع الاخرين عبره وعبره فقط.
ان تلك الانعطافة الطويلة، مبنية على سردية الطائفة والظلم والتهديد بالعودة الى الخلف اجتماعيا وسياسيا، وصولا الى تشكيل مفهوم “التفكيريين” في خريف العام ٢٠١١ ونشره واسعا، وقسمة كل الناس على اساس هذا المفهوم، وعلى مفهوم التآمر على المقاومة، وتكريس مفهوم المقاومة برمزية محصورة بالطائفة التي يعمل من ضمنها حزب الله. ان هذه الانعطافة الطويلة التي استمرت عمليا لعامين كاملين قبل ان تأخذ شكلها الحاد الغت كل الاحتمالات الاخرى امام جمهور حزب الله، فاما النصر المبين، واما الهزيمة الماحقة.
هذا الجمهور اليوم قطع صلاته بمحيطه بالكامل، لقد انغمس في تكفير الاخرين الى النهاية، ورفع من قيمة ورمزية المقاتلين الملطخين بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية من اتباع حزب الله والنظام السوري، الى مرتبة القديسين، واغلق كل اشكال التفاهم مع اي طائفة اخرى: السنة هم دواعش وتكفيريون، وكل الاخرين مقبولين فقط بحال موافقتهم على سياسات الحزب القاضية بالذهاب الى الحرب في سوريا.
كما الغى الحزب وجمهوره من خلفه العلاقة مع اي قيادي كالرئيس نبيه بري ان لم ينطق صراحة بموقف مؤيد للجهاد الحزبي في سوريا، وعلى الرغم من ترك نبيه بري لعناصر حركة امل حريتهم الكاملة في المشاركة الفردية في الحرب بسوريا الى جانب حزب الله، الا ان الحزب ذهب في الاطباق على الجمهور الى الحد الذي لم يعد يقبل باي تمايز، ووضع المسألة في خانة الكفر والايمان، الصح والخطأ، الابيض والاسود، وقال نصر الله في نهاية شهر ايار الماضي انه لم يعد يمكن قبول اي جهة لا توافق على ما يذهب اليه الحزب، ولن يراعي كبير او صغير.
لقد انتهت العلاقات السياسية البينية في داخل الطائفة، واصبح مع منتصف العام ٢٠١٥ الانعطاف كاملا، الذهاب الى الحرب وفقط الحرب هي ما سيحسم الامور، وكل من يرى غير ذلك هو غبي او عميل او خائن.

نهاية العلاقات مع الطوائف

وضع حزب الله اذا نهاية للعلاقات مع الطوائف الاخرى اللبنانية، السنة خارج النقاش، هم دواعش او دواعش كامنون، كلهم ارهابيون، اذا تحرك احدهم سيتهم بانه متطرف، واذا نطق فهو مذهبي، واذا اعترض فهو داعشي حكما.
لقد تبنى جمهور الحزب هذه المقولات التكفيرية او الاتهامية دون نقاش، بات الجمهور نفسه اسير موقف اطلقه الحزب ضمنا، وغطاه بالكثير الكثير من السياسة والشعارات علنا.
فشلت جولات حوار مع تيار المستقبل بالوصول الى اية نتائج، وهي جولات حوار كانت مهمتها الاولى خفض سقف التوتر داخليا، كانت النتيجة الوحيدة المتاحة ازالة بعض الشعارات المذهبية من شوارع العاصمة، وما لبثت هذه الشعارات ان عادت، وتتواصل جولات الحوار بين الطرفين دون كثير اهتمام شعبي، بل بالكاد يتابع انصار حزب الله الامر، بالنسبة لهم تيار المستقبل لا يختلف عن اي تنظيم قاعدي او Post قاعدي.
بلغ العداء والتمذهب حدا ان كل الشعارات التي ترفع بين الناس في اوساط حزب الله وجمهوره خلال تشييع مقاتليه الاتين محميلن من الاراضي السورية هي شعارات مذهبية صرفة تدين الاخر وتعتبره مجرما. ومشاركا في ظلم ال البيت.
المسيحيون ليسوا بافضل حالا، بعضهم من التابعين للتيار الوطني الحر وحزب المردة هم جزء من المحمية التي تتبع لحزب الله، وينظر اليهم جمهوره بعين الرضى كونهم مشاركين في اتهام السنة بالداعشية، الا ان اي مطلب مختلف عن مطالب الحزب وقتاله في سوريا لا يعني الجمهور التابع له، ولم يتمكن الطرفان من التعايش، ولا حتى من التشارك في التسوق من مخازن واحدة، فلكل جمهور حياته الخاصة المنعزلة عن الاخر. وبالتالي فان التأييد اللمعلن لا يتعدى الحدود الكلامية، ومحصور بالشرط السالف الذكر، المسيحيون جيدون طالما وافقوا دون نقاش على حربنا المقدسة في سوريا.
والحال ليس افضل مع مليوني نازح سوري في لبنان، حيث يعمد عناصر الحزب الى اعتقال من يريدون عشوائيا، او الايعاز الى قوى رسمية بتنفيذ الاعتقالات، والسوري الذي يعتقله عناصر الحزب على حواجز في الضاحية الجنوبية يتعرض لاهانات وضرب في مراكز الاحتجاز وتحقيق واستخراج معلومات منه قبل ان يطلق سراحه دون اي اعتذار او توضيح.

ايران الامر

كل ذلك وضع بيئة الحزب واغلب ابناء الطائفة الشيعية في لبنان في خانة الهرب الى الامام، دون اي خط انسحاب او عودة، لم يعد اي منهم يتخيل امكانية التعايش مع الاخرين بعد نهاية الحرب في سوريا، كل ما يمكنهم تخيله هو النصر في سوريا، او الهزيمة التي لن تبقي منهم احدا على قيد الحياة.
ويعمل الحزب بكثافة على نشر فكرة مضمونها بسيط: لو لم نقاتل هناك لتمت ابادتنا هنا، وبحال هزمت قوات الحزب في سوريا فلن يبقي لنا (السنة) رقبة او عرض او ارض الا وسينتهكونها.
هذا المنطق الذي يحض على الطائفية (والذي يفترض ان القانون اللبناني يعاقب عليه) هو ما يشيعه الامين العام لحزب الله بين اتباعه، هو ما صرح به امام جرحى الحزب في نهايات شهر ايار الماضي، وهو لب الخطاب الداخلي، الذي لا يترك  اي مجال للتراجع او لنزول الشيعة عن الشجرة التي اصعدهم اليها حزب الله.
ومهما تعرض حزب الله لضربات فان هناك عوامل ستحمي قيادته من التأثر برأي الناس، وتسمح فقط بالتأثير فيها.
١- الطبيعة التنظيمية التي نشأ عليها الحزب، والتي تقوم على الخضوع لارادة الولي الفقيه، هذه الطبيعة وبغض النظر عن نفي او تأكيد استقلالية القرار السياسي الداخلي، هي ما يميز حزب الله، وما يشكل جوهر الية صنع القرار، التي لا بد ان تتوافق مع ما يراه القائد الاعلى القابع في ايران بصفته المرشد الاعلى للثورة.
٢- تأكيدات الامين العام للحزب حسن نصرالله بان الحزب يتبع لارادة الولي الفقيه اولا، وثانيا بان كل ليرة دخلت الى الحزب مقدمة من ايران، وهي تصب في خانة النقطة الاولى التي تؤكد ان القرار الداخلي لا يمكن ان يتخذ داخليا، او محليا، وانما في مكان اخر وبموافقة القيادة العليا التي تمول اعمال الحزب، وضمنا يشير الى جمهوره بان الرواتب التي يحصل عليها حوالي ١٢٠ الف من افراد الحزب المقاتلين والمدنيين والموظفين في مؤسساته المختلفة تأتي من ايران حصرا.
٣- الطبيعة الايديولوجية للحزب، وبصفته حزب ديني، فان من يعرف الحق، ومن يقرب الى الامام الغائب هم الفقهاء وليس العامة، وبالتالي فان ما يراه العوام لا يكاد يعني اي شيء بالنسبة الى القيادة القريبة من الامام المغيب، والمتناسلة من اهل البيت. والتي تتبع رأسها المعمم والمتمثل بالولي الفقيه ووكلائه في كل منطقة.
٤- ان التراتبية التنظيمية التي يعرفها الناس والمتابعون لا تكاد تعني الكثير، فالية اتخاذ القرارات الداخلية، عداك عن ضرورة توافقها مع تعليمات المرشد الاعلى، هي نتيجة عمل وقرارات اجهزة امنية معينة داخل الحزب، وهي اجهزة لا يمكن للعامة ان تتصل بها او تؤثر عليها، بل تتواجد بينهم كالشبح، في حين يعجزون هم عن تمييزها. وهذه الاجهزة هي ما يرسم السياسات، ويحدد الاتجاهات، وما على كوادر الحزب، وكبار موظفيه وجزء كبير من قياداته، بما ومن فيهم الوزراء والنواب والشخصيات المحلية، الا الانصياع، والتصرف بحذر من اي خطأ يمكن ان ترصده هذه الاجهزة. ويمكن لهم ممارسة ما يريدون من كلام او فساد داخلي، الا ان الخطوط الحمر ترتسم في تحديد السياسات والشعارات والتأثير بالجمهور سلبا.
ومن يعتقدون ان عدة مئات من القتلى يمكنهم ان يؤثروا على القرار الداخلي لحزب الله، او صراخ بعض الامهات لفقدان فلذات اكبادهن في حرب لا علاقة لهن ولهم بها، او قليل من الحراك في الشارع بين ابناء الطائفة، عليهم ان يراجعوا حالات الذعر التي يبثها حزب الله بين جمهوره من الاخرين، واحتشاد الشيعة في الضاحية الجنوبية لبيروت دون غيرها، وعدم قدرتهم على الاختلاط اليومي بالاخرين.
لن تتوقف الحرب في سوريا نتيجة اعتراضات بضعة مئات او الاف من ابناء الطائفة، ولن تتوقف حتى لو صرخت كل قيادة حزب الله مطالبة بالانسحاب، سيتسمر حزب الله في القتال في سوريا والباس هذه المجزرة الطائفية لبوس الجهاد المقدس الى ان يأتي الامر من ايران، او يتم سحق قواته فيعجز عن ارسال المزيد، ولكن كلا الخيارين غير متاحين حاليا.
ستتواصل المجزرة، ولا خطوط انسحاب، ومن صعد الى الشجرة يرفض انزال طائفته عنها الى ان يقع الاسوأ.

(المصدر)

 

السابق
إيران: قضية أم دولة ـ أمة؟
التالي
الشاعرة مريم شعيب: الجهاد ليس قتالا فقط.. كل يقاوم على طريقته