جورج الريف أغلى من أعيادكم

البارحة كتب سمير عطالله بقلمه الجميل مقالة بعنوان ، العادات العلنية قال فيها “…أخشى أن الناس تعوَّدت تقبّل الخطأ. صار التقاتل هو العادي، والمُقاتل هو الزعيم، والخوف هو الحياة، والمناقرة هي الخطاب.. نسي اللبنانيون أن يغيِّروا الذين قتلوهم. كلفوا صاحب المدفع بأن يكون صاحب الدستور. وطلبوا السكينة والأمان من صانع المتفجرات. لم يسمح نادي المحاربين، المختوم بالدم الأحمر، لأحد بالظهور. دعاة السلم والوحدة والألفة والقانون، إما أُخرجوا بالقنابل أو بالسخرية والهزء والمحاصرة والتجاهل”. كأنه كان يكتب عن مقتل جورج الريف. نعم. صار القتل من “عاداتنا العلنية”. لاحقه المجرم من المطار حتى المرفأ، لم تكن المسافة كافية ليعود إلى رشده ويهدأ ويلعن الشيطان. إنه أبشع خُلقاً وخلقاً ومنظراً من الشيطان. لماذا يستسهل القاتل القتل؟ ألأنه لم يعدم وسيلة إلا وجربها قبل السكين؟ لم يكن معه غير السكين. الآخرون يقتلون بالرصاص، والتكفيريون تنفيذاً لإرادة إلهية. كتب نضال أبو شاهين على صفحته يقول، “سارق السيارات شيعي القاتل شيعي تاجر المخدرات شيعي ، موزع المخدرات شيعي….” وقد يكون التفسير المذهبي غير صحيح كله، لكن بعضه صحيح. ديانا سكينة تعيد الأمور إلى نصابها، إذ ترفض أن تكون جرائم القتل ذات هوية مذهبية، فتقول على صفحتها “لا يمكن ان يكون الشيعي طارق يتيم قتل جورج الريف لأنه مسيحي، كما لا يمكن ان يكون الدرزي الذي قتل الدرزي وليد المهتار قبل ساعات في قبرشمون، فعل فعلته لأن الثاني درزي، كما لا يمكن ان يكون قبل هاتين الحادثتين بساعات، أحد الشيعة من آل عواضة قتل الشيعي محمد عواضة لأنه شيعي، كما لا يمكن ان يكون قتلة إيف نوفل المسيحيون ارتكبوا الجريمة لأن إيف مسيحي… ” نعم. صار القتل من “عاداتنا العلنية”. وهل أكثر علنية من أن يلاحق القاتل الضحية كل تلك المسافة، وأن يمعن في قتله في وسط الشارع المزدحم، على مرأى من الجميع، ورغم توسلات زوجته؟ قتله ومضى. كأن شيئاً لم يكن. قتله ومضى ليحتفل بالعيد. اختلاف على يوم العيد، وشبه إجماع على أن هذا القاتل يستحق الأعدام في ساحة جريمته، بمحاكمة ميدانية، لا لأنها تشبه جرائم الحرب، بل لأنها جريمة حرب موصوفة، ولأن القاتل مجرم حرب ومن تربية الحرب. الحرب هي التي شرعت للعادات العلنية، وهي التي جعلت القتل أمراً مألوفا. وأبطال الحرب مسؤولون عن تطويع المواطنين على الاستكانة والصمت على المفاسد، وعن حشو حياتنا “بيوميات القتل العادي”، على ما يسميها وضاح شراره. وفي رقابهم جرائم ترويضنا لنكون كنمور زكريا تامر في اليوم العاشر. زكريا تامر الأديب السوري كتب، في قصة قصيرة، عن النمر الذي حبسوه في قفص، ومنعوا عنه اللحم وجوّعوه يوما بعد يوم، وإذاقوه الذل، حتى بلغ الجوع منه مبلغاً فأكل الحشيش ثم اعتاد عليه وغدا طعامه اليومي. عندها “صار النمر مواطناً والقفص مدينة” ، لكنها مدينة بحجم الوطن، لكنه قفص بحجم الوطن. لبناننا الوطن الجميل، لبناننا القفص الكبير، محكوم بشريعة ” القتل العلني” منذ العام 1975، أي من اللحظة التي ظهر فيها المروضون على الحلبة، واختزلوا المواطنين بأكف للتصفيق وأصوات في صناديق الاقتراع، وعوّدوهم على تحمل الذل اليومي وعلى الإلفة مع الفساد، ودربوهم على الشتيمة والبذاءة ونشر الغسيل على السطوح، وجعلوهم يتدرجون في انتهاك القانون من مخالفة السير حتى الخيانة والعمالة. المروضون هم الزعماء، وأكلة الحشيش هم مواطنو “يعيش يعيش” والضحية هو الوطن ، كل الوطن. ليست الطوائف هي المسؤولة عن الجريمة، بل المشاريع الطائفية. المارونية السياسية والسنية السياسية البارحة وقبل البارحة، و الشيعية السياسية اليوم. تذهب إلى العيد، ولكل جناح منها عيده، كأن الجريمة لا تعنيها، كما لا تعنيها جرائم مماثلة حصلت في البابلية وشقرا وغيرهما ، لكنها هي التي تشكل اليوم غطاء للسلاح غير الشرعي وتنصب خيمة فوق رؤوس المجرم والفاسد وتاجر المخدرات، ومن تلك الخيمة يبدأ انتهاك القانون والدستور. جورج الريف ليس وحده ضحية الانتهاكات. الوطن كله ضحية . ضحية غياب الدولة. الرد على الجريمة بإعدام القاتل، ومعالجة أصل الجريمة بعودة الدولة وسيادة القانون. –
(المدن)

السابق
اقل من نصف الاسرائيليين يعتبرون الاتفاق النووي الايراني تهديدا لهم
التالي
الشيخ قبلان في خطبة العيد: لبنان مهدّد من اسرائيل ومن التكفيريين