الجماعة الإسلامية … ماذا تريد ؟!

هل كتب على الجماعة الاسلامية ان تظلّ تلعب دور المتفرّج ولا تخرج إلى واجهة المسرح السياسي؟ ولماذا لا تستغلّ التخبّط الذي يسود تيار المستقبل والاحباط داخل الشارع السني لتتسلّم زمام المبادرة؟

بين مطرقة “الاعتدال” العربي المخصي والفاقد لكل مقومات الحياة والبقاء، وسندان الجنون الطائفي الذي يجتاح المنطقة بدءاً بسوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى اليمن، يجد أبناء الشارع السنّي في لبنان أنفسهم أمام حلقة مفرغة تكبر يوماً بعد آخر.

يرزح هؤلاء مكرهين بين خطابين لا ثالث لهما، الأول والذي يجسّده بشكل صريح تيار المستقبل ومن خلفه بدرجة أقل سائر الأحزاب والحركات و”القيادات” المدنية والعلمانية الأخرى، يغالي في الحديث عن الوطن والدولة والمؤسسات بعيداً عن الدين، فيما لا يعرف الثاني الذي تكاد تنفرد فيه الجماعة الإسلامية وحدها تقريباً، سوى التركيز على الدعوة الدينية في ظل قصور ومراهقة سياسية غير مبررة !

ينصب جلّ اهتمام “المستقبل” على شعارات الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والعيش المشترك (هذا الأمر لا يعاب عليه … لكنه غير كافٍ)، ويلجأ إلى طائفته عشية الانتخابات النيابية فقط! في حين تبدو روح الجماعة أقرب إلى تطلعات الطائفة وتوجهاتها رغم إغفالها المتعمّد للسبُل الكفيلة بتحقيق هذه التطلعات والتوجهات.

صحيح أن كفة القاعدة الشعبية والإمكانيات المادية تميل لصالح التيار الذي يُحكم منذ سنوات طويلة قبضته على المقاعد البرلمانية والوزارية ووظائف الفئة الأولى وغيرها، غير أن ذلك لا يعني أن الجماعة لا تملك من مفاتيح القوة ما يمكّنها من فرض نفسها كلاعب له وزنه وثقله على الساحة السنّية، شريطة توافر الإرادة الحقيقة على أكثر من صعيد.

في السياسية، تبحث الطائفة (دون جدوى حتى اللحظة) عن إطار إيديولوجي عقائدي وسطي جامع معتدل غير متطرف يمثلها، ويتقن في الوقت نفسه فن استخدام لغة الخصم أو الحالة المقابلة على المستويين الديني والدنيوي، وليس التركيز على أحدهما دون الآخر.

أما في العامل الجغرافي، فتبدو الجماعة الوحيدة القادرة على مزاحمة “المستقبل”، كونها تملك حضوراً جماهيرياً مؤثراً في سائر المحافظات بدءاً من الشمال مروراً بالعاصمة والإقليم وصولاً إلى صيدا والبقاع، كما تملك مدارس ومؤسسات تربوية وتعليمية مميزة وأخرى طبية واجتماعية وإعلامية وجمعيات خيرية وحركة كشفية تعد ضمن الأفضل على مستوى لبنان.

على أن الانتشار الجغرافي الواسع والمؤسسات المرموقة ليس من شأنهما منفردين إحداث تغيير ملموس في موازين القوى على الأرض إذا لم يترافقا مع مراجعة شاملة للأداء السياسي الهزيل والركيك، والذي بات محل تساؤل واستغراب لدى أنصار الجماعة قبل غيرهم !

في الانتخابات النيابية الأخيرة قبل نحو ستة أعوام، استسلمت الجماعة التي تأسست في خمسينيات القرن الماضي لرغبات التيار الأزرق في تسمية مرشح واحد فقط عن أحد مقاعد العاصمة بيروت (سمّت في ما بعد الدكتور عماد الحوت) مقابل سحب مرشحيها في الشمال وصيدا والبقاع الغربي، رغم قدرتها الأكيدة على الإضرار بمرشحي ولوائح “المستقبل” في صيدا والبقاع الغربي تحديداً.

يجزم البعض أن موقف الجماعة في الكثير من الأحداث والمحطات أقرب ما يكون للرمادية السياسية التي تضر أكثر مما تنفع، فهي على سبيل المثال لا تجد ما يجمعها مع “المستقبل” وتتحالف معه لتحقيق مصالحه على حساب مصالحها، وتختلف مع “حزب الله” في كل شيء تقريباً، ولكنها تنتقده بأكبر قدر ممكن من الخجل!

الجماعة الاسلامية

ربما لدى الجماعة ما يبرر تقاعسها المقصود في ظل ما عاناه ويعانيه “الإخوان المسلمون” في غزة ومصر وتونس والجزائر والعالم العربي بشكل عام، بيد أن أن ركونها لمثل هذه الذرائع سيبقيها حبيسة معطيات داخلية وإقليمية قد لا تتغير يوماً.

استناداً إلى هذه المعطيات، يحلو للجماعة شاءت أم أبت أن تلعب دور المتفرّج أو “الكومبارس” في أحسن الأحوال، ولا يعنيها وفق ما يرى منتقدوها أن تخرج إلى واجهة المسرح السياسي، وكأنها تريد أن تثبّت الصورة النمطية التي تقول إن الجماعة لا تبرع إلا في تنظيم الإفطارات والمحاضرات والاحتفالات وحلقات حفظ القرآن !

على وقٌع تسرّب الجماهير المستقبلية وغير المستقبلية تبدو ذهبية فرصة الجماعة الإسلامية في تسلّم زمام المبادرة والقيادة واستقطاب آلاف الشباب الهاربين من التخبط والتردّد والإحباط، إلا أن الجماعة واهمة إذا راهنت أن هؤلاء سيطرقون بابها المغلق نتيجة لغياب المشروع وضبابية الرؤية واعتماد سياسة التقوقع القاتلة !

السابق
أهالي الجنود اللبنانيين المختطفين يتوجّهون إلى جرود عرسال للقاء أبنائهم
التالي
اهالي العسكريين يؤكدون ان لا مفاوضات:يطالبون الافراج عن 5 نساء معتقلات