جنرال المعارك الخاسرة

ميشال عون

ما أشبه العماد ميشال عون اليوم بميشال عون الأمس، الأمس الذي يعود الى ما قبل ربع قرن. يخوض الجنرال دائماً معاركه بالنيابة عن سواه، وهو يظن انه المخطط والقائد. فيما المخططون الحقيقيون يدركون مدى سهولة خوض الجنرال للمعارك التي تحمل شعار “انا او لا احد”، الذي اضيف اليه اليوم شعار “انا وأصهاري … او لا احد”!

 

في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وكان الجنرال لا يزال في اواسط الخمسينات من عمره، اطال الله عمره، ظن أنه، بإشارة واحدة وبأمر يومي، كمثل ذلك الذي يصدره قادة الجيوش، يستطيع “تحرير” لبنان من السوريين، وتحرير المناطق الشرقية من كل المخالفين لرأيه، من خلال “إلغاء” الآخرين. اقدم عون على ذلك من دون اي قراءة صحيحة لتوازنات القوى في ذلك الوقت في لبنان وفي المنطقة، وذهب في خطأ القراءة والبناء على الخطأ الى حد الاستعانة بصدام حسين في وجه آل الأسد، في عز الحرب الدولية ضد صدام بسبب غزو الكويت، فما كان من حافظ الأسد، بحنكته المعروفة، الا ان ارسل بضع وحدات من قواته لـ “نجدة” الأميركيين في حربهم، كانت كافية ليدفع عون ثمنها في المقابل ضوءاً اميركياً اخضر للقيادة السورية انتهى بإقصائه وعزله وإبعاده عن لبنان، إبعاداً استمر 15 سنة، ولم ينته الا بعد ارتكاب زلزال اغتيال رفيق الحريري.

 

لا يحتاج الأمر الى كثير من التحليل ولا الى ذاكرة بعيدة المدى، لإدراك الثمن الذي دُفع آنذاك، وخصوصاً من حساب المسيحيين، نتيجة تلك المغامرات غير المحسوبة.

 

تخال ان الجنرال استفاد من التجربة او انه تغير! كم ستكون مخطئاً لو اعتقدت ذلك؟ ها هو عون يخوض المعركة اليوم بالنيابة عن “حزب الله” ضد السنّة في لبنان، ممثّلين بتيار المستقبل وبرئيس الحكومة تمام سلام، ويوهم انصاره انها معركة استرداد حقوقهم، متجاهلاً ان البديل السنّي في لبنان لـ “المستقبل” ولتمام سلام، سيكون ويلاً على المسيحيين قبل سواهم. وبذلك يحوّل عون المواجهة عن وجهتها الحقيقية كما يجب ان تكون، الى مواجهة سنّية مسيحية، من شأنها ان تقضي على مقومات الكيان اللبناني، الذي قام في الأساس على قاعدة حلف الاعتدال المسيحي المسلم الذي كان دائماً ضامناً لحماية لبنان من عوامل التفجير الخارجي.

 

بل ان عون وجماعته، وإمعاناً في ارتكاب الخطأ، لا يترددون في وصف تمام سلام بـ “الداعشي”، مستعينين باللغة الإيرانية ضد رموز الاعتدال السني في لبنان وفي المنطقة، لوصم كل السنّة بالتهمة “الداعشية”، وإظهار ايران وأتباعها بمظهر الحريصين الوحيدين على الأقليات في المنطقة وعلى حماية كياناتها. ومع ما في هذا الغلو من ارتدادات على مسيحيي لبنان بالدرجة الأولى، وأكثرهم لا يعملون ويعيشون في ايران، بل في دول المنطقة ذات الغالبية السنّية، فإن ارتداداته على المسيحيين اللبنانيين لا تقل خطورة، لأنها تضعهم في موقع الخصومة والعداء للشريك المسلم، وتغذي في الوقت ذاته النزعة الطائفية بين المسلمين في وجه النزعة الطائفية التي يغذيها عون وفريقه “الإصلاحي” بين المسيحيين.

 

لا مبالغة في القول إن التحرك الذي يقوده “التيار العوني” اليوم يسير باتجاه تفكيك لبنان وشرذمته طائفياً، وليس باتجاه اعادة لملمة أشلائه وتوحيدها. بدأ ذلك من بدعة “القانون الأرثوذكسي” الذي كان يقضي بانتخاب كل طائفة لنوابها، قبل ان يموت غير مأسوف عليه، ووصل الى بدعة استفتاء المسيحيين على “الأقوى” بينهم، ومن الطبيعي في زمن الغرائز المتأججة ان يكون “الأقوى” هو الأكثر إمعاناً في الطائفية. وانتهت المطالبة بـ “حقوق المسيحيين”، الى مواجهات مع عناصر الجيش اللبناني، ذلك الجيش الذي كان عون قائداً له يوماً ما قبل أن ينتهي الأمر إلى التشكيك به طالما أن صهره ليس على رأسه.

 

هل هذه هي مصلحة المسيحيين الذين يجرهم عون اليوم إلى معارك هم بغنى عنها؟ لا بد أن هناك من لا يزال عاقلاً في هذه الطائفة ليستطيع أن يقف ويقول: آن لهذه المهزلة أن تتوقف!

(الحياة)

السابق
فرنجيه لعبها بإتقان ولو ضمن الانسداد هل من «خطة – ب» بعد طيّ الشارع؟
التالي
فضائح فيفا: أنشطة مشبوهة لمونديالي روسيا وقطر