ليس صحيحًا أن “النّوويات” تعيق اتفاق واشنطن – طهران. وما مسألتا البرمجة النووية ومنع الصواريخ البالستية إلا خطين أحمرين معلنين، كذلك عمليات التفتيش التي سيقوم بها المفتشون الدّوليّون إلى المنشآت ﻻحقًا. هذه المسائل على أهميتها ما هي سوى رأس جبل الخلافات مع الشيطان الأكبر. إن عقدة الخلافات باختصار هي حدود مصالح إيران الحيوية في كلٍ من الخليج العربي ومصر والعراق وسورية وصوﻻً إلى لبنان. إنه “الهلال الإيراني”. والنقطة السّاخنة هي أمن الإحتلال الإسرائيلي. والإعتراف الضمني به.
جعل واشنطن تتحكّم بلعبة الموت في الحرب السورية. وجر الأطراف إليها. والتخلّص من الكل وفي مقدمهم حزب الله وداعش على السواء
بالتالي من يضمن أمن المفاعلات الإيرانية؟. ومن يمنع الإحتلال الغادر والقوي من تكرار تجربة تدمير مفاعل تمّوز العراقي (1980)؟ وما هي حدود التعاون الأميركي – الإيراني لمحاربة الإرهاب؟ خصوصًا مع قبول إيران بذلك. عبر إعلانها عن ضرورة قيام “شراكة حتميّة” ضد داعش؟ وما هي معايير الإرهاب؟
وما هي حدود الدور الإيراني المرسوم في الشرق الأوسط الجديد؟ إيران ﻻ تمانع في الشراكة الندية. بينما لن تخاطر واشنطن بتسمية تهران شريكًا. بل هي عنصرا حيويًّا من “سيبة الشرق الجديد” كمشروع أميركي. خصوصًا وأن “إسرائيل” شريك مضارب وأساسي لإيران وتركيّا.
تكريس “إسرائيل” قوة ضاربة ودولة عصرية متفوّقة وتنتشر حولها دويلات فاشلة وممزقة مذهبيًّا وإتنيًّا وعشائريًّا
هذا ﻻ يعني أن الإتفاق النوويّ لن يُوقّع بين الطرفين. لكن بضوابط أميركية. تكون راضية عنها تل أبيب. ولهذه الأسباب تؤخر واشنطن توقيع الإتفاق. لأسباب يراها المراقبون أكثر من وجيهة. ومنها:
1- لن ترفع واشنطن عقوباتها عن تهران لمزيد من الضغط المفضي إلى ضعف في الدعم الإيراني لحزب الله ودمشق الأسد. لإطالة الحرب.
2- من شأن ذلك جعل واشنطن تتحكّم بلعبة الموت في الحرب السورية. وجر الأطراف إليها. والتخلّص من الكل وفي مقدمهم حزب الله وداعش على السواء.
3- تكريس “إسرائيل” قوة ضاربة ودولة عصرية متفوّقة وتنتشر حولها دويلات فاشلة وممزقة مذهبيًّا وإتنيًّا وعشائريًّا. وهذا يُنهك إيران على المدى البعيد بصراعات عربية – عربية وعربية – فارسية ﻻ تنتهي.
4- تحكّم واشنطن وتل أبيب بإدارة ملفات المنطقة المرهقة والممزقة. على قاعدة توريط الكل. ودعم الكل. وخير دليل محاولة الإلتفاف الخليجية نحو روسيا. ولكن بعد فوات الأوان.
إن هذه الأسباب هي التي تجعل الإتفاق النووي يتأرجح ويترنّح منذ حوالى 11 سنة. والذي عقّد الأمور أكثر هو محاولة إيران الجادة مؤخّرًا تنفيذ مخطط الهلال الإيراني في العراق وسوريا ولبنان. وتحقيق اختراق عسكري استراتيجي لليمن وإمكانيّة تطويق مصر عبر السويس. وقد وازنت واشنطن بين أطراف الصراعات المفتوحة. فطائرات التحالف تقصف داعش في عراق إيران برضاهما. وتقصف دواعش سورية الأسد برضاها أيضًا. وترفض في الوقت عينه دخول أنقرة لتصفية داعش وتدمير النظام السوري أو استحداث منطقة حذر آمنة. وتسكت واشنطن في الوقت نفسه عن دخول ميليشيا حزب الله. مع العلم أنها تعتبر الحزب المذكور منظمة إرهابية.