المفاوضات والكوميديا السوداء

المفاوضات بين إيران وأميركا وحلفائها المعروفة بمفاوضات الخمسة + واحد، بدأت بفعل القدم والغموض تكتسب ملامح جديدة أخرجتها من دائرة السياسة وأدخلتها دائرة الكوميديا. ستلاحظ ذلك من تعليقات بعض أقطابها وهي التعليقات المستخدمة فقط في الكوميديا وبخاصة الأنواع القاسية منها التي نسميها الكوميديا السوداء. من هذه التعليقات، تفصلنا خطوات قليلة عن الاتفاق النهائي.. لقد انتهينا من الاتفاق على مئات النقاط، باقٍ لنا عشر نقاط فقط.. غدًا على الأكثر سنعلن الاتفاق.. ليس مهمًا أن نصل إلى اتفاق هذا الأسبوع، لا بأس بجولة أخرى.. إشارات مشجعة من طهران..
أخشى أن عددًا كبيرًا من المتفاوضين قد نسي تحت ضغط الإجهاد العصبي، موضوع التفاوض والهدف منه أصلاً. وربما اتفقت جميع الأطراف على عدم الاعتراف بفشل المفاوضات وأن في استمرارها إيحاء قويًا للرأي العام في العالم كله بأنها ناجحة حتى لو استمرت لعشرة أعوام أخرى.
لنرجع للمواد الخام التي صنعت منها هذه المفاوضات، نظام الحكم في إيران ينشد القوة، لا بأس.. كل أنظمة الحكم تنشد القوة، بشرط أن تتفق هذه القوة مع مقاييس العصر. غير أن النظام في إيران يفكر بمنطق أربعينات القرن الماضي، القوة بالنسبة إليه هي أن يمتلك قوة نووية. هذا طرف المعادلة، الطرف الثاني هو الغرب وخشيته من أن يستخدم النظام في إيران لطبيعته الخاصة هذه القوة النووية في تهديد جيرانه وربما أي مكان في العالم. ولذلك قامت أميركا ومعها الغرب بفرض حصار تجاري واقتصادي على إيران.
غير أن حكام إيران صرحوا على نحو غامض بأن ليس لديهم أطماع نووية، فصاحت أميركا.. يا فرج الله.. حسنًا تعالوا نتفاهم ونتفاوض لكى نصل إلى تحقيق أهدافنا.. أنتم تلتزمون بكل ما تفرضه عليكم وكالة الطاقة الذرية، ونحن نلتزم بإلغاء الحصار.
وبدأ الفخ الإيراني الذي نصبته إيران لأميركا وحلفائها وهو التفاوض الذي لا نهاية ولا نتيجة له. فمنذ البداية كان واضحًا للجميع أنه من المستحيل على الحكومة الإيرانية أن تعود لشعبها وتقول له: نحن نأسف لأننا تعهدنا للشيطان الأعظم وبقية حلفائه من الشياطين الصغار بأن نتخلى عن حلمنا النووي.
إنها إحدى المرات القليلة في التاريخ التي يتفرغ فيها شعب وحكومته ولسنوات طويلة في النضال للحصول على شيء هو ليس في حاجة إليه. حتى عندما تمكنت الحكومة الإيرانية من إقامة مفاعل ذري صغير على الأرض السورية، قامت إسرائيل بتدميره. بالتأكيد الحكومة الإيرانية تعرف جيدًا أنها حتى إذا نجحت بطريقة ما في الحصول على مفاعل لإنتاج أسلحة نووية، فلا بد أن تقوم إسرائيل بتدميرها قبل وصولها لمرحلة الإنتاج.
وعلى الجبهة الأخرى، جبهة أميركا، يخشى المفاوض إعلان ما هو واضح للجميع وهو أن مفاوضات الخمسة + واحد قد فشلت. هو أيضًا يرى أن ذلك أمر ماس بشرف السياسة ولذلك سيظل متمسكًا بالأمل بأن تأتي هذه الخطوة من الطرف الآخر بينما الطرف الآخر سعيد باستمرار المفاوضات.. لحد ما ربنا يفرجها ونعرف نعمل المفاعل من غير ما حد ياخد باله.

(الشرق الاوسط)

السابق
هل تُخفِّض إيران سقف طموحاتها؟
التالي
«داعش» ورقة ابتزاز أميركي – إيراني في رسم خرائط المشرق