«حزب الله» حين يقاتل في غير «ساحته»!

المشهد يبدو مختلفاً هذه المرة. شباب من “حزب الله” يتطوعون للقتال في سوريا. ومن بين المقاتلين أيضاً شبان متفرغون في المقاومة، نقلوا بطريقة أو بأخرى، المقاومة من قوة على الحدود الجنوبية مع الاحتلال الإسرائيلي، مهمتها التحرير، الى الحدود الشمالية والى طرف في الصراع السوري، وإن كان عنوانه مقاتلة التكفيريين. وهذا القتال يجري تحت عناوين مختلفة، لكنه بالتأكيد لا يحظى بإجماع لبناني، إذ يعتبر لدى كثيرين انخراطاً في الصراع ضدجزء كبير من الشعب السوري يرفع مطالب محقة أو مشروعة في مواجهة نظام لا يتعامل مع شعبه بطريقة ديموقراطية، وان كان التدخل يبرره الحزب لمواجهة التيار التكفيري.

بدا أن مسوغات الحزب التي يوردها دفاعاً عن استمرار مهمته القتالية في سوريا، لا تتشكل حول المهمات الوطنية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ولذا فإن استنهاض تضامن وطني امام مواجهة عدوان اسرائيلي محتمل، تراجع أو بات غير ممكن بعدما ترنح لدى فئات لبنانية واسعة. ويعترف قادة من حزب الله أن المعركة مع الاحتلال الاسرائيلي التي جرت على مدار 18 سنة منذ 1982 وحتى لحظة التحرير في عام 2000، كانت محط اجماع لبناني أو شبه اجماع، فلم تخرج أصوات تقول بإنهاء المقاومة، بالرغم من الانقسام الذي شهده البلد في الثمانينات من القرن الماضي، فاستمرت المقاومة الى أن أنجز التحرير في 24 أيار عام 2000.

جهاد مغنية الى اليسار ورفيقه الذي قضى معه في قصف اسرائيلي على القنيطرة. (من الانترنت)
جهاد مغنية الى اليسار ورفيقه الذي قضى معه في قصف اسرائيلي على القنيطرة. (من الانترنت)

سقط شهداء كثر على مدار التسعينات من القرن الماضي، على طريق تحرير الجنوب، ثم اختلفت المعطيات ليسقط آخرون في مواجهة عدوان 2006، بمعزل عن الالتباس الذي رافق هذه الحرب، لكن ان يسقط شباب في غير المكان الذي جادل “حزب الله” طويلاً في موضوع سلاحه، مدافعاً عن استمرار استقلاله عن معطيات القرار الوطني العام، فذلك يطرح بالنسبة الى كثير من اللبنانيين علامات استفهام كبيرة عن اقحام البلد في أخطار تتمثل في انعكاسات ارتدادية على الداخل اللبناني، الى تغذية الخلافات السياسية القائمة ومفاقمتها بعوامل توتر اضافية، وهذا ما يحصل، خصوصاً وأن أطرافاً أخرى تحركت مذهبياً، لتسلك مساراً علنياً مسانداً للمعارضة السورية، بعدما اعلن الحزب دعمه للنظام، ما أوصل النفور الأهلي المذهبي الى حده الأقصى.
اختلفت المعطيات، بعدما كان يقاتل الحزب في ساحته ضد الاحتلال الاسرائلي، فسقط له آلاف الشهداء والجرحى، لكنه اليوم وهو منخرط في الصراع السوري، سقط الآلاف من شبابه، إذ يقول أحد المقربين من الحزب انه فقد نحو 1500 شاب منذ اعلان انخراطه في الحرب السورية، فيما لم يسقط له من المقاتلين في عدوان تموز 2006 سوى 187 رغم شراسة الحرب، ويكاد العدد الذي سقط في الحرب السورية يوازي عدد الشهداء الذين سقطوا ضد الاحتلال الاسرائيلي على مدى سنوات المقاومة. وهنا الاختلاف حين يقاتل في ساحته، مقارنة بساحة أخرى لا يعرف حدودها ولا تلاوينها ولا الدخلاء عليها.
ينخرط شباب “حزب الله” في القتال السوري عن وعي والتزاماً بقرار حاسم سياسي وشرعي، محلي واقليمي، لكنه بالنسبة الى كثير من اللبنانيين يخرجون عن “النأي اللبناني” بما يمكن وصفه انشقاقاً سياسياً أحدث شرخاً اجتماعياً داخلياً كبيراً، في ضوء ما تمارسه القوى المذهبية الأهلية الأخرى من ردود، ما يهدد البنية اللبنانية وتماسكها. وبالنسبة الى جزء من اللبنانيين هذا مسلك يتنافى مع ضرورات الوحدة اللبنانية في مهمة الدفاع عن لبنان، وصون سيادته، واستكمال تحرير ما تبقى من أرضه.
قاتل “حزب الله” في الجنوب متسلحاً بخصائص ساحته أو منزله اذا جاز التعبير، لكنه اليوم يفقد هذه الخاصية، وان كان كثيرون يؤيدونه في معركته ضد التكفيريين، لكن الداخل اللبناني اليوم لم يعد كله ساحة للحزب، بعدما فقد جزءاً من “الغطاء المنزلي” الذي تمتع به واستند اليه لسنوات طويلة.

(النهار)

السابق
سلام غادر الى القاهرة
التالي
ما هو سر نجاح أبو بكر البغدادي؟