لا جحيم بعد بشار

ساطع نورالدين

الندم الذي يشعر به البعض بين الحين والاخر على غياب صدام حسين عن العراق، لن يتكرر إثر رحيل بشار الاسد عن الحكم في سوريا. فخيار جهنم الذي يجري التلويح بها الان، والذي كان منذ اللحظة الاولى للأزمة السورية أحد أشد اسلحة النظام السوري فتكاً، يمكن ان يكون خيالياً، على الاقل بالمقارنة مع الجحيم الراهن الذي يعيشه السوريون ومعهم شعوب ودول مجاورة لهم. بجهد بسيط يمكن ان يتبدد ذلك الوهم ، وان تتجنب سوريا وشعبها البائس ذلك السيناريو العراقي الذي اعتمده الاميركيون في لحظة ثأر من هجمات 11 ايلول 2001 ، وادى الى انهيار الدولة وتفتيت المجتمع وتفجير الاحقاد التاريخية بين العراقيين على اختلاف هوياتهم القاتلة، وأغرقهم في بحور من الدماء لن تجف قبل عشرات السنين. هذا الجهد يبذل الان واكثر من اي وقت مضى، في اكثر من عاصمة من عواصم النزاع السوري. وليس ثمة ما ينبىء بان يوم التغيير في دمشق سيكون يوم الآخرة، على ما تقول سردية النظام وروايته الثابتة. ولا علاقة للامر بان المجتهدين في البحث عن حل سوري استفادوا من الدرس العراقي المرير. النموذج السوري مختلف تماما، ولا يبدو ان ثمة اهتماماً من أحد ، بمن فيهم اشد فصائل المعارضة السورية تطرفاً، بهدم الدولة وتفكيك المؤسسات وشطب الجيش والامن من معادلة المستقبل..الاستثناء الوحيد هو داعش، الذي لا يمكن ان يحسب على المعارضة اصلا، وتنظيم النصرة الذي فاجأ العالم كله اخيرا عندما أعلن اندماجه التام بتنظيم القاعدة، وشرع في السير على خطاها .. حسبما برهن الاسبوع الماضي في مجزرة بلدة قلب لوز الدرزية. طالت الازمة السورية خمس سنوات فقط لان أحدا لم يكن يريد تكرار التجربة العراقية، التي كان النصر فيها حليف تنظيم القاعدة ومتفرعاته وآخرها تنظيم داعش، التي تمكنت من طرد الغزاة الاميركيين من العراق بالكامل، والتي تتحداهم اليوم للعودة الى الاراضي العراقية لاكمال المنازلة المستمرة منذ نحو عقدين. وهو ما يجري بحثه اليوم في واشنطن بجدية، لاسيما بعد فرار 350 مستشاراً اميركياً من معركة الرمادي الاخيرة .

بشار الاسد

في سوريا، المقدمات مختلفة وكذلك النتائج. المعركة بدأت من حيث انتهى العراق، سواء مع داعش الذي يتعرض لضربات متلاحقة من جميع القوى المتحاربة في سوريا، والذي لم تعد اختراقاته “الانغماسية” في بعض الجبهات قادرة على تغيير جدول أعمال الباحثين عن تسوية، برغم ان تلك الاختراقات هي التي حفزت الجميع على التخلي عن سياسة الاستنزاف المتبادل في سوريا. ولعل أحد أهم المؤشرات ، هو ان النظام وحلفاءه الذين اصابهم التعب من الحرب وأكلافها البشرية والمالية الباهظة، يتوسلون التسوية الان، ويغيرون الانطباع الذي كان سائداً عن النظام الذي لن يسقط ابدأ ، واذا سقط فانه سيسقط واقفاً ، او عن ايران التي ستظل تمول وتقاتل حتى الرمق الاخير، او عن روسيا التي ستظل تستثمر في الحرب حتى النهاية . المؤشر الاهم هو ان ايا من هؤلاء الاطراف الثلاثة لا يطلب الشهادة ولا يريد الانتحار، ولا يريد ان يخرج مطرودا من دمشق.. بل يود ان يكون شريكا في تنظيم عملية التغيير، وفي الحؤول دون ان يدخل المعارضون الى العاصمة السورية دخول الفاتحين. طلب التسوية يأتي الان من ذاك الجانب، وهو يشترط ان تكون دمشق هي العنوان المشترك للجميع وان يكون الساحل السوري منطقة محظورة على المعارضين كافة، وهو مطلب متحقق سلفاً وتعرفه جيداً جميع فصائل المعارضة، وتعرف الخطوط الحمراء المتفق عليها مع حلفائها في الخارج، وتدفع بها الى حدود التحذير من اسطورة تقسيم سوريا الرائجة هذه الايام. الطلب يدرس بعناية، وهو يفتح نقاشاً حول هوية الشركاء المحتملين، السياسيين والعسكريين، من داخل النظام ومن صف المعارضة، وحول طبيعة المرحلة الانتقالية ومدتها.. وحول المفاجآت التي يمكن ان يثيرها الممانعون من الجانبين لاي مسعى من اجل اخراج سوريا من جحيمها الراهن، او لاي محاولة لتفادي الندم على تغيير بشار.

(المدن)

السابق
المتمرّدون يرفضون اي حوار مع وفد الحكومة اليمنية
التالي
تجّار رمضان ينصبون على الفقراء