شاطئ عكار: الاستجمام بين النفايات

لم يجد العكاريون أمامهم خيارات عدة للاستجمام وتمضية إجازتهم الأسبوعية، في ظل انعدام أماكن الترفيه في المنطقة، فقصدوا شاطئ عكار أمس، وافترشوا الكورنيش البحري بعدما وضعوا أغراضهم فوق النفايات، التي تغزو الشاطئ الممتد على مسافة 18 كيلومتراً بدءاً من مخيم نهر البارد، وصولاً إلى بلدة العريضة الحدودية مع سوريا.
يعكس المشهد مدى الإهمال والحرمان اللاحق بأبرز المرافق الحيوية في عكار، بالإضافة الى مدى حاجة الأهالي إلى ملاذ لتمضية أوقات عائلية ممتعة، إذ تعج غالبية شواطئ المناطق اللبنانية بالمنتجعات السياحية والفنادق والمطاعم والمقاهي، وتستقبل سنوياً آلاف الزوار من سيّاح الداخل والخارج، الذين يمضون إجازاتهم على رمال الشاطئ اللبناني

.
لا يزال العكاريون محرومين من شاطئهم، الذي لم يشهد أي أعمال تأهيل أو رصف، كما لم يشهد أي التفاتة رسمية بهدف إقامة كورنيش بحري. أمس، بدا المشهد مأساوياً: عائلات تجلس على الرمل بين النفايات المتراكمة من هنا وهناك. وعلى الرغم من أن شاطئ عكار يُعدّ من أجمل وأهم الواجهات البحرية في لبنان، إلا أنه لم يلقَ أي مبادرة تحوّله إلى عامل استقطاب للعديد من العكاريين والسياح الأجانب، الذين يسلكون الطريق الدولية الواقعة بمحاذاة الشاطئ إلى سوريا، ومنها الى البلدان المجاورة، من دون أن يلتفتوا إلى مميزات عكار التي لطالما كانت ممراً لهم، من دون أن تكون مقراً.
ويُعدّ استثمار الخليج العكاري متنفساً سياحياً، من شأنه إنعاش المنطقة، خصوصاً أنه يقع في منطقة العبدة، أو «بوابة عكار». ويمكن القول إن الغياب الكلي لبلديات المنطقة واتحاداتها، بالإضافة الى غياب أي دور للقوى الأمنية المكلفة حماية الشاطئ العكاري، جعله عرضة لمختلف أنواع التعديات، فتم تحويله الى مكب للنفايات، وثروة للتجار الذي عمدوا الى شفط رماله وبيعها، ما أدى إلى تعرية الشاطئ من رماله، وهجرة حيوانات بحرية كثيرة.
وتتمثل المشكلة الكبرى في التعديات السكنية، وهي عبارة عن مخيمات كبيرة لـ «النّوَر» جرى تشييدها على الأملاك البحرية، التي من المفترض أنها لعموم العكاريين. كل ذلك يتم على مرأى ومسمع من رؤساء البلديات واتحاد بلديات سهل عكار، لكون العديد من البلدات الصغيرة لا يوجد فيها بلدية، وبالتالي فإن إدارة أمورها عائدة للاتحاد، إضافة الى المسؤولية التي تتحملها قائمقام عكار رولا البايع، كون غالبية التعديات أقيمت في عهدها.
أما اليوم، فيضع العكاريون ما يجري في عهدة المحافظ عماد لبكي، لجهة إعطاء تعليمات بمنع تفريخ المزيد من التعديات، والعمل على إزالة التعديات الموجودة سابقاً، ومحاسبة مَن يقوم بالسمسرة والسماح لهذه الفئة باستخدام الشاطئ من دون أي مساءلة. يقول مواطنون عكاريون إنهم بحثوا «طويلاً عن بقعة نظيفة للجوء اليها، وبالفعل لقد اخترنا المكان الأنسب الذي يمكن للأطفال السباحة فيه، وللنساء إعداد الطعام». المكان «الأنسب» الذي يتحدثون عنه، هو بين النفايات، لكن كمية النفايات تختلف من مكان لآخر.
تقول آمال كنج إن العكاريين لا يملكون بديلاً عن الترفيه سوى هذا الشاطئ الغارق في النفايات، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، معربة عن أسفها لـ «هذا الوضع المأساوي». أما رئيسة «المجلس المدني لإنماء عكار» عزة عدرة، فتؤكد أن «الإهمال اللاحق بالشاطئ العكاري هو ضمن حلقة من سلسلة الحرمان المتلاحق في عكار»، وتسأل: «لماذا يستحق أبناء طرابلس وبيروت الحياة، بينما يُحرم العكاريون من أبسط مقوماتها؟ لماذا تشهد كل المناطق زحمة منتجعات على شواطئها، بينما الشاطئ العكاري لم يشهد أي مبادرة يمكن أن يُعوّل عليها، بهدف تأسيس أي شيء للمستقبل؟».
وتشير عدرة الى «أننا، كمجتمع مدني، عملنا على إعداد دراسة لشاطئ عكار، بهدف تقديمها للجهات الدولية المانحة التي تهتم بالبيئة»، لافتة إلى أن «الدراسة تتضمّن سلسلة مبادرات، تشمل حملات توعية في مدارس عكار الخاصة والرسمية، وضع سلل نفايات على طول الشاطئ كي يتمكّن المتنزّهون من استخدامها، وإطلاق حملة لتنظيفه، بالإضافة الى معرض للرسوم».
المبادرات المدنية، وفق عدرة، مطلوبة، لكن يبقى أن الشاطئ العكاري بحاجة لوجود دولة وسلطة رسمية، تعمل بشكل جدّي على إزالة كل التعديات، وإنشاء كورنيش يليق بالمواطنين.

(السفير)

السابق
إنكلترا على مشارف «فرنسا ٢٠١٦»
التالي
تامر حسني يعيّن سفيراً لخدمات نقل الدم القومية