لا «زعامة» مسيحية في لبنان

عن اقتراحي الإستعانة بعُمان في موضوع كل من إيران وإسرائيل والأردن والسعودية، علّق المسؤول الأميركي السابق الكبير نفسه الذي تعاطى من موقعه مع قضايا دولية وشرق أوسطية عدة، قال: “طبعاً أثبتت عُمان حكمة ونضجاً ووعياً كما قلت، وأنا كنت أحد المشاركين في اللقاءات التوسطية لعُمان بين إيران وأميركا. لكن سلطانها قابوس مريض جداً، ربما يؤثر ذلك على نشاطه”.

علّقتُ: هل حاله الصحية تعطِّل تفكيره؟ إذا كان الجواب كلا فمن الأفضل الإستعانة به الآن في التفاوض بين واشنطن وطهران. عليكم بوزير خارجيته يوسف بن علوي. عُمان نجحت قبل عقود في إنهاء ثورة وإقامة دولة مستقرة. عليكم حمايتها ذلك أن المثل العربي يقول: الوسيط يأكل ثلثي “القتلة”. قال: “اليمن قصّة بل مشكلة حقيقة. الرئيس المصري الأسبق عبد الناصر تدخّل فيه بجيش نظامي، لكن القبائل اليمنية المدعومة من السعودية هزمته.

عام 2009 الحوثيون دخلوا أراضي المملكة عندما حاولت مساعدة حليفها علي عبدالله صالح ضد الانتفاضة الحوثية، لكنها أخرجتهم بوسائل عدة. لذلك يجب تلافي دخول جيش “برّي” إلى اليمن إيرانياً كان أو سعودياً. ما يجري فيه اليوم قد يتحول حرباً أهلية. فلا يعود تقسيمه مستبعداً. لذلك لا بد من حوار بين الأطراف المتقاتلين في اليمن. ماذا عن المسيحيين في المنطقة؟” سأل.

أجبتُ: أخشى أن لا مستقبل لهم. أما في لبنان فقد يختلف الوضع لأن مسيحييه كانوا شركاء مثل السنّة والشيعة، ولأن الانقسام المذهبي يوفّر لهم فرصة لإقامة توازن بينهما وحمايته. ودور كهذا يبقيهم في لبنان، أو يعطيهم فرصة لمعرفة مستقبلهم وللإعداد له. علّق: “إحدى مشكلات لبنان، هي عدم وجود زعامة مسيحية، وسيادة الفوضى والفئوية والشخصانية والمصلحية. لو كان فيه زعامات مسيحية قوية لكان الحل الذي تحدَّثت عنه سهل التطبيق. ثم هناك البطريرك الماروني ماذا يفعل بالضبط؟ دوره مهم كبطريرك وهو يتصرَّف كسياسي”. ماذا عن حلفاء أميركا في المنطقة، هل تأخذ في الاعتبار مصالحهم؟ سألتُ.

أجاب: “لا بد من أخذ مصالحهم في الاعتبار، ومن إفهام إيران أن الاتفاق معها ولاحقاً التعاون لن يكون على حسابهم. طبعاً ليس الهدف الأميركي ضرب النظام فيها. لكنه في الوقت نفسه منع محاولة إيران ضرب الأنظمة الحليفة لأميركا في المنطقة. أرسلت أميركا سلاحاً لمصر أخيراً. ربما يكون ما نفّذه السيسي في مصر انقلاباً، لكنه محبوب من الشعب، ولذلك لا بد من مساعدته وليس معاقبته. هناك ظروف خاصة في المنطقة لا بد من أخذها في الاعتبار”.

 
ماذا في جعبة مسؤول كبير سابق عن الشرق الأوسط الذي يتابعه في دقّة ربما لأنه قد يعود مسؤولاً بعد مدة؟
قال في بداية اللقاء: “يبدو أن إدارتنا ستوقّع الاتفاق مع إيران. ما رأيك إذا وقّعناه، وما رأيك إذا لم نوقّعه؟ ماذا نفعل؟”. كرّرت أمامه المواقف والاقتراحات التي عبّرت عنها في لقاءات مع آخرين في واشنطن وذكرتها في أكثر من “موقف” بعد عودتي منها. فعلّق: “القضايا الإقليمية غير داخلة في الحوار أو التفاوض بين أميركا وإيران. كيف ندخلها؟” كرّرت له ما قلته ايضاً عن حاجة إيران إلى الإتفاق مثل أميركا وربما أكثر، وعن ضرورة انتهاج طريقة التفاوض التي تمارسها هي أي على الحامي، وأخيراً عن بدء الحوار حول الإقليميات قبل الوصول إلى نهاية مدة التفاوض في آخر حزيران، والحرص على الإستمرار فيه بعد انتهائها أياً تكن نتيجة التفاوض النووي.

ثم دار بحث ونقاش حول سوريا والعراق وتركيا وإيران و”داعش” أوضحت خلاله أن ما يجري في العراق مع حكومة العبادي يختلف عن ما يؤمن به الأميركيون ويعملون له، وأن ما جرى عام 2003 كان استدراجاً ايرانياً بوسائل عدة لأميركا كي تغزو العراق وتسقط “العدو” صدام حسين ونظامه، وأن ما يجري اليوم هو الايحاء بحكومة شاملة وبتعاون لمحاربة الارهاب، ولكن الهدف هو استعادة إيران سيطرتها بواسطة حلفائها العراقيين على المناطق التي احتلها “داعش” وعلى العراق كله.

ثم تناول البحث النظام الإقليمي الجديد الذي لا بد أن يقوم بعد انتهاء العنف المتنقّل وعناصره، والذي لا بد أن تشترك فيه إيران الشيعية ودول عربية واسلامية سنّية وذلك تلافياً لنجاح صاحبَيْ المشروعين السنّيين النظامي والميليشياوي وصاحب المشروع الشيعي الميليشياوي في محاولة تنفيذها.

ماذا في جعبة باحث حالي وديبلوماسي بارع سابق تابع عن كثب المنطقة ودولها مدة طويلة؟

(النهار)

السابق
على جسديّ نتنياهو وزوجته
التالي
«حزب الله» وأسرار الموت في سوريا والخلاف حول اعتبارهم شهداء او ضحايا