شروخ الشخصية المصرية وانفجارها

هل نستطيع وصف ورصد وتحليل بعض سمات الخلل فى تكوين الشخصية المصرية الآن؟ والسؤال على السؤال وحوله،  وهل يمكن الحديث عن شخصية قومية أو سلوك قومى كما كان الأمر فى عصر القوميات، ومفهوم الأمة المتخيل؟ لماذا نطرح وآخرون هذه الأسئلة وغيرها الآن؟

ارتبطت الشخصية القومية فى علم النفس الاجتماعى ببعض المفاهيم المتخيلة كالأمة والقومية، وتجسيداتها التاريخية فى التجارب المقارنة أو فى تجربة الحركة القومية المصرية، ويبدو أن التعامل مع هذا المفهوم وغيره كالسلوك القومى استمر مهيمنا على دراسات وملاحظات بعض الباحثين والمفكرين على أهميتها، لكن ظلت وكأن هذه المفاهيم لا تتغير، وأن قدرتها وكفاءاتها التفسيرية لا تزال قادرة على وصف وتفكيك وتحليل بعض مآثرنا الإيجابية التى تراجع بعضها، أو سماتنا الفكرية والسلوكية السلبية التى تكاثرت وتضخمت فى ظل موت السياسة، وحتى بعد الانتفاضة الثورية المجهضة فى 25 يناير 2001 وما بعد.

تشير ظواهر الغلو والتشدد والعنف ذو الوجوه والسند الدينى والطائفى وكراهية الآخر الوطنى-، وتدهور مستويات المورد البشرى المصرى، وانتشار الفساد، والنفاق والانتهازية، والمخاتلة والازدواجية وانكسار الموحدات الوطنية وغيرها- إلى أن مفهوم الشخصية القومية الذى تراجع فى الأدبيات النظرية غير قادر على تشخيص وتحليل بعض هذا التدهور فى ثقافة وحياة وسلوك المصريين. فى تقديرى أن تمدد السلبيات فى بعض إدراكنا وسلوكنا والسمات النفسية لغالبية المصريين، يعود إلى عديد من الأسباب نشير إلى بعضها فيما يلى:-

أولها: موت السياسة ومتتالياتها وانعكاساتها على الثقافة السياسية المصرية من شيوع قيم الإجماع القسرى والقمعى من أعلى، ونفى أو تهميش التعدديات والتنوع داخل الأبنية الدينية والمذهبية والاعتقادية والطقوسية لمصلحة التسلطيات السياسية والدينية والثقافية الرسمية، وغياب ثقافة الحوار والمشاركة المجتمعية على نحو يسمح بتنظيم وتطوير الحوار العام حول القضايا والمشكلات، ويؤسس لبناء توافق عام حول مفاهيم المصلحة العامة والتوازن بين المصالح الاجتماعية والاقتصادية والرمزية المتصارعة، وتشكيل رأسمال ثقافى وسياسى حول القيم السياسية الجامعة التى تشكل الرضا العام الذى يؤسس للشرعية السياسية ويجدد مصادرها.

استطاعت ثقافة القمع الأيدولوجى والرمزى أن تشيع بعض الأساطير السياسية حول وحدة الشخصية المصرية وفرادتها واستثنائيتها فى التاريخ، ومن ثم إغفال التطورات الاجتماعية المتغيرة فى بعض روافد الثقافة المصرية الدينية والمذهبية والعرقية والمناطقية المتعددة،. لا شك أن ذلك أدى إلى نمو النزعة الفئوية الضيقة ومصالحها، ومن ثم أثر ذلك سلبا على مفهوم المصالح العامة الذى يعلو فوق الفئويات والانتماءات المشتركة التى تشكل الحد الأدنى من الإدراك شبه الجماعى للمصريين على اختلافهم حول الولاءات الجامعة والرأسمال الرمزى والثقافى المشترك فيما بينهم.

2- أدت ظواهر توريث المهن والوظائف وامتدادها إلى مشروع التوريث السياسى -من رئيس الجمهورية لنجله الذى فشل بعد 25 يناير 2011- إلى اللا مبالاة بمفهوم المصالح العامة الوطنية لدى الأجيال الشابة الجديدة، التى تم استبعادها من هيكل الفرص السياسية والاجتماعية، وبرزت سياسة للتحيز الاجتماعى ضدهم، وهو ما ساعد على نمو فائض من الأنامالية، وشيوع نزعة بأن مصر ليست لهم وإنما هى ملكية خاصة لتحالف بين بعض رجال الحكم ورجال الأعمال.

لا شك أن سياسة الإقصاء واستبعاد الشباب عن المشاركة فى ظل سياسة التجريف السياسى، أدى إلى تراجع الولاءات الجامعة، وإلى الترهل والكسل، واللا مبالاة بقيم العمل والمسئولية لدى عديد من القطاعات الاجتماعية الشابة من أبناء الفئات الوسطى بكل انعكاسات ذلك السلبية على بعض بقايا السلوك القومى المصرى.

3- انتشار شبكات الفساد، وتحوله إلى نمط شعبى شائع وآلية لإعادة توريع الدخل، ومقابل لأداء بعضهم للوظيفة العامة ومقتضياتها على نحو أدى إلى سيادة قانون المكانة والقوة والنفوذ الذى تجاوز قانون الدولة، مما ساعد على انتشار قانون وأشكال الفوضى فى الحياة اليومية، وعدم انضباط أجهزة الدولة ومشاركة بعضهم داخلها فى التعامل فى إطار قواعد الفوضى وقانون اللا قانون الذى وسم الحياة اليومية وعلاقاتها طيلة أكثر من ثلاثة عقود ولا يزال.

4- انتشار بعض جماعات العنف الدينى وتمدد أفكارها الأيديولوجية الداعية للدولة الدينية وإلى مفاهيم تتجاوز الدولة والفكرة الوطنية الجامعة لمصلحة مفهوم الخلافة والفكرة الإسلامية الجامعة، وجحد شرعية الحداثة والقانون الوضعى وهى مفاهيم تمددت للطلاب والطالبات عبر المعلمين والمعلمات من أعضاء هذه الجماعات والعاطفين عليها وغيرهم فى المدارس والجامعات، على نحو أدى إلى اهتزاز القيم الوطنية الجامعة. وللحديث بقية.

(الأهرام)

السابق
عون تلقى دعم نصرالله في تحركه بملف التعيينات
التالي
لوحة ميدانية بعد «عاصفة الحزم» وسقوط إدلب: تحييد حلب المدينة..والقرداحة تحت مرمى النيران!