«النصرة» و«داعش» من سوريا إلى لبنان

يتراجع الجيش السوري في شمال سوريا وجنوبها، فيرتعب اللبنانيون في طول لبنان وعرضه. تقدّم «جبهة النصرة» في إدلب وجسر الشغور والحدود الأردنية له صدى في بيروت أكثر مما له في دمشق واللاذقية. اليوم باتت «وحدة المسار والمصير» قيد اختبار حقيقي، بالحديد والنار.
الجبهة السورية لن تنهار، ومن المستحيل أن تكون الشام تعويضاً عن صنعاء، للسعوديين. وسلاح «حزب الله» لن يكون ثمناً لاتفاق نووي بين طهران وواشنطن. فالنظام السوري و «الحزب» ليسا ورقتي تفاوض على الساحة.

على العكس تماماً، كشف صمودهما في وجه إسرائيل والعصابات التكفيرية الدولية والإقليمية شبه الرسمية، أنهما هما الساحة، والرافعة التي تجعل الممانعة «ممانعة»، والتي تحمي إيران وغيرها، لا العكس.
في شريط إخباري واحد، تقرأ مثلاً: إسرائيل تقصف القلمون. «النصرة» تتقدم في الشمال. قوات الاحتلال تقتل مجموعة في الجولان. «النصرة» تسيطر على قاعدة عسكرية في إدلب. من الخيال العلمي أن نقول إن هناك تنسيقاً لصيقاً بين الأصوليين وإسرائيل. ومن الغباء العظيم ألا نُقِرّ بأن مصالحهما متقاطعة.
الحرب على سوريا بلغت مستوياتها القصوى في الشراسة. الاتفاق الإيراني – الأميركي يؤسس من دون شك لنظام أمني إقليمي جديد، ما قد يفرض حالاً من الاستقرار طويلة الأمد، والتي لن تتبدل خلالها موازين القوى، أو حدود الدول. النافذة مفتوحة الآن لتغيير الأنظمة، وهي ضيقة ولا تتجاوز زمنياً بضعة أسابيع. تحسين المواقع لا بل ترسيخها متاح، ويفرض التحرك السريع، ولو اقتضى الأمر استجلاب كل شيشان الأرض وأشباههم إلى الشام.
من الطبيعي أن يقلق اللبنانيون.

فالشام تعني الأرض الممتدة من البحر الى تخوم الخليج. وما بدأ في الموصل والرقة ممكن امتداده الى صيدا وصور وجونية. ليست المسألة بيئة حاضنة أو مُيسّرة. أحداث سوريا والعراق تؤكد ذلك من سنجار الى معلولا. حدثت انقلابات داخل الجيش، وبيعت ذمم، لكنها لم تكن كافية. ما حقق الانهيار وسرّعه، كتل صلبة من إرهابيين مدربين مجهزين قادرين على بث الرعب في الخواصر الرخوة، غير المحمية، ومنها إلى باقي المدن.
لبنان لن يكون بمنأى عما يحدث، ولو اعتصم بالنأي بالنفس الى يوم الدين. لا أحد يتوقع مثلاً أن تنجح جهة لبنانية، أو أن تصمد أو أن تقاوم بمفردها «داعش» أو «النصرة»، لا بل كل اللبنانيين موحّدين مسلمين ومسيحين لن يستطيعوا وقف زحف «النصرة» إذا سقطت سوريا.
خط الدفاع الأول والأخير ليس إلا صمود الشعب السوري وجيشه ومقاومته في استعادة مطابقة للنموذج الذي انتصر في لبنان على إسرائيل. العدو على الباب، وهو عدو وجودي لا يقبل بأي تسوية.

بالإمكان الآن تأجيل فتح دفاتر النظام السوري، وفضّ الاشتباك الكلامي على سلاح «حزب الله»، والتوقف عن اتهام «المستقبل» بأنه حاضن للإرهاب الأصولي. ما سبق، ليس إلا مكسّرات لا تعلّق بأسنان الوحش خلف الباب.
لا أحد يراهن على أخلاقيات الغرب وشعارات الحفاظ على الأقليات، البحر أرأف بها. اللبنانيون خائفون، المعركة لا تزال في سوريا، وعلى سوريا، وما باليد سوى الدعوة لموت الأشرار، طالما أننا لم ولن نفكر بالدفاع عن أنفسنا، ولا نزال نبحث في فقه تعريف الإرهاب ومَن استدرجه إلى لبنان.

(السفير)

السابق
حرب استنزاف قد تمهد للتسويات المقبلة؟
التالي
هكذا وقع ملك تهريب الحشيشة اللبنانيّة