تهدئة في غزة؟ لكنها قائمة فعلاً!

ماجد عزام

تعرضت المساعي الأممية للتوصل إلى تفاهم أو اتفاق تهدئة بين حماس – وإسرائيل إلى حفلة مزايدات مختلفة الاتجاهات والأهداف، إن للرفض المبدئي والمطلق للتهدئة القائمة فعلاً، أو لجهة القول إن التهدئة مضرة للمشروع الوطني وستؤدي إلى فصل نهائي لغزة عن الضفة وإنهاء أو تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، مع الاحترام طبعاً لوجهات النظر السياسية الهادئة التي تقبل بالتهدئة القائمة أصلاً، ولكن ضمن توافق وطني ومع الحصول على ثمن معتبر وإجبار إسرائيل بشكل أو بآخر على الالتزام والقبول باستحقاقاتها.

بداية لا بد من التوضيح أن التهدئة قائمة فعلاً، وباتت هي القاعدة والتصعيد أو القتال هو الاستثناء منذ وثيقة القاهرة في مارس/ آذار 2005، التي نصت أيضاً وللمفارقة على تشكيل الإطار القيادي الأعلى لمنظمة التحرير، وللمفارقة أيضاً فإنه يتم النظر إلى التهدئة باعتبارها مصلحة وطنية من قبل سلطتي الحكم الذاتي في الضفة؛ وغزة الأولى ترفض أي كفاح مسلّح أو عنيف وتتبنى الأساليب السياسية والديبلوماسية لاسترجاع الحقوق، ولا تقيم وزناً لأي أساليب أخرى بما في ذلك المقاومة الشعبية التي كانت وما زالت يتيمة ومتروكة وحدها في مواجهة الاحتلال، وتلجأ إلى فرضها بالقوة الجبرية وبشكل دائم. أما سلطة غزة فتعتبر التهدئة ناتجة عن توافق وطني، وكتقدير لظروف غزة الصعبة بل المأسوية، وهي تلجأ أحياناً حتى إلى القوة الجبرية لفرضها على بعض الفصائل المارقة وتحديداً تلك التي تنتمي إلى السلفية الجهادية، والتي تهدف إلى إحراج حماس ليس إلاّ.

أما في ما يخص النقاشات أو الوساطات الأممية الساعية للتوصل إلى اتفاق تهدئة مكتوب وملزم، فهي تأتي استكمالاً للمفاوضات غير المباشرة التي جرت في القاهرة الصيف الماضي، وأدت إلى وقف الحرب على أن يتم التوصل إلى إطار نهائي للتهدئة واستحقاقاتها فيما بعد، وعندما تخلت القاهرة عن وساطتها غير المباشرة كما عن الملف الفلسطيني عموماً، كان من الطبيعي أن تدخل أطراف أخرى لملء الفراغ، كما لمنع انفجار غزة في وجه محتليها ومحاصريها.

الوساطات غير المباشرة أيضاً تتضمن نقاشاً حول بنود أو التزامات التهدئة، كما وردت في تفاهم القاهرة والذي يتضمن وقف الأعمال العسكرية بكافة أشكالها، ورفع الحصار، وفتح المعابر، وإدخال كل المواد والبضائع اللازمة إلى غزة من دون استثناء. كما إنشاء المطار والميناء وفق الاتفاقات ذات الصلة وتتضمن وتتطرق النقاشات كذلك للمصالحة الفلسطينية وقيام حكومة التوافق بعملها، وهي الخطوة الضرورية والتي من دونها لا فائدة أو جدوى من أي تفاهمات أو اتفاقات مكتوبة أو غير مكتوبة.

بعيداً من المزايدات ومغسلة الكلمات، فإن أهم ما يطرح في نقد المشاورات السالفة الذكر، الحديث عن تفرد حماس وعدم وضع باقي الفصائل بالصورة. كما الخشية من أن تؤدي السيرورة في ظل الانقسام إلى قيام دولة أو دويلة في غزة، وفصل نهائي لها عن الضفة الغربية، وبالتالي تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، وهو ما ترفضه حماس رسمياً على الرغم من بعض التصريحات الخاطئة من أطراف وقيادات فيها، مع تأكيد الحركة الرسمي على الانفتاح على التهدئة القائمة فعلاً، والحصول على ثمن ملائم لها، ولكن ضمن توافق وطني جدّي وحقيقي يشبه ما حصل في القاهرة الصيف الماضي.

لا يمكن تصور التوصل إلى تهدئة جدية من دون إنهاء الانقسام والمصالحة وتمكين حكومة التوافق من أداء عملها على قاعدة الشراكة السياسية، وهذا يمكن أن يتم أولاً بتشكيل وفد موحد ولو من فتح وحماس فقط، للتفاوض غير السرّي والمعلن عنه مع الوسطاء من أجل التوصل إلى تهدئة ملزمة وبكافة استحقاقاتها، بما في ذلك إعادة الإعمار والمطار والميناء وجعلها بالتالي أي التهدئة دافعاً للمصالحة وإنهاء الانقسام وليس العكس.

أما الحديث عن التهدئة بحد ذاتها بصفتها جريمة وطنية وتصفية للقضية فليس سوى مزايدات وإهانة للعقل الجمعي الفلسطيني، خصوصاً في غزة، وكأن تحسين أحوال الناس سينسيهم أمالهم وهمومهم الوطنية في الحرية والسيادة والاستقلال والعودة، وهذا يشبه أيضاً النقاش اللبناني حول إعطاء اللاجئين الفلسطينيين لأبسط حقوقهم الإنسانية، والقول إنه سيؤدي إلى التوطين؛ وهو أيضاً إهانة للمشاعر الوطنية للاجئين في لبنان، وكأن الوطن وحق العودة يقايضان بالعيش الكريم واللائق.

طبعاً لا يمكن تصور أن يتم التوصل إلى تهدئة في غزة، من دون أن يشمل ذلك الضفة الغربية ليس فقط للوحدة السياسية الحتمية بينهما مع إزالة الانقسام، ولكن لأن أي عملية أو حدث كبير في الضفة – كما جرى مع خطف المستوطنين الثلاثة – سيؤدي مباشرة إلى تدحرج الأمور نحو تصعيد، وحتى حرب في غزة. التهدئة يمكن ويجب أن تكون شاملة ولكن من دون التخلي عن المقاومة الشعبية الجماهيرية السلمية، كما في نموذجي القدس وبلعين.

إلى ذلك يجب ألاّ يكون المدى الزمني طويلاً ومفتوحاً، وإنما محدّداً ولفترة تراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات، وهي المطلوبة لإعادة إعمار غزة المدمرة بشكل شبه كامل بعد ثلاث حروب، كما لإعادة ترتيب البيت الوطني وإعادة بناء المؤسسات المدمرة المهشمة والمهمشة أيضاً.

يجب الانتباه إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية على جدول الأعمال الإقليمي والدولي في المدى القصير، وحتى المتوسط، ولا بد بالتالي من استغلال الفرصة وإدارة الصراع بوتيرة منخفضة من دون الاستسلام لإسرائيل، ومن دون فتح معركة أو حرب واسعة معها، وانتظار متغيرات إقليمية ملائمة مع إيماني واعتقادي الراسخ بأن المقاومة الشعبية والجماهيرية بنموذج أقرب إلى أنموذج الانتفاضة الأولى أنسب لنا، وأقدر على فضح الوجه البشع للاحتلال، وتسريع وتيرة عزله ومقاطعته والأهم أنه سيضمن الحفاظ على تماسك المجتمع الفلسطيني، كما الوحدة الوطنية بين مختلف فئاته وقواه السياسية.

(المستقبل)

السابق
«حزب الله» في وعي اللبنانيين.. هكذا سقطت الاقنعة
التالي
قاسم قصير: تضخيم للدور الايراني في اليمن